قوله تعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [(١٤١) سورة الشعراء] ذكر قصة صالح وقومه وهم ثمود، وكانوا يسكنون الحجر كما تقدم في (الحجر)، وهي: ذوات نخل وزروعٍ ومياه، {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} [(١٤٦) سورة الشعراء] يعني في الدنيا آمنين من الموت والعذاب، قال ابن عباس: كانوا معمرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم، ودل على هذا قوله:{وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [(٦١) سورة هود] فقرَّعهم صالح ووبخهم، وقال: أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت، {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [(١٤٧ - ١٤٨) سورة الشعراء] قال الزمخشري: فإن قلت: لم قال: {وَنَخْلٍ} بعد قوله: و {جَنَّاتٍ} والجنات تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخل، كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل، قال زهير:
كأن عيني في غربي مقتلة ... من النواضح تسقي جنة سحقا
يعني نخلاً، التنصيص على النخل بعد ما ذكر في الجنة من الجنات والعيون والزروع، هذا من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام بشأنه والعناية به، وهذا أسلوب مألوف في النصوص وفي لغة العرب، معروف.
يعني النخل، والنخلة السحوق: البعيدة الطول، قلت: فيه وجهان أحدهما: أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهاً على انفراده عنها بفضله عنها، والثاني: أن يريد بالجنات غيرها من الشجر؛ لأن اللفظ يصلح لذلك، ثم يعطف عليها النخل والطلعة: هي التي تطلع من النخلة، كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو، والقنو: اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه، و {هَضِيمٌ} قال ابن عباس: لطيف ما دام في كفرَّاه، والهضيم: اللطيف الدقيق، ومنه قول امرئ القيس:
عليّ هضيم الكشح ريا المخلخل.
قال الجوهري: ويقال للطلع هضيم ما لم يخرج من كفرَّاه؛ لدخول بعضه في بعض، والهضيم من النساء: اللطيفة الكشحين ونحوه حكى الهروي قال: هو المنضم.
العامة يسمون الطلع في ظرفه يسمونه (كافور)؛ لأنه يكفره أي: يستره، ثم بعد ذلك يتشقق هذا الطلع.