هناك الأمور الخمسة التي استأثر الله بعلمها في آخر سورة لقمان، ومنها:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(٣٤) سورة لقمان]، وهذه الآية أشكلت على كثير من الناس، نعم لا يعلم ما في الأرحام إلا الله -جل وعلا-؛ لأنها من الخمس التي لا يعلمها إلا الله، وجاء النص الصحيح المفسر لهذه الآية؛ لأنه قد يقول قائل:{يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} لا ينفي أن يكون غيره يعلم، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الصحيح:((في خمسٍ لا يعلمها إلا الله)) فالحصر دل على أن ما في الأرحام لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-.
وقد يقول قال: أن الأطباء الآن بأجهزتهم يخبرون النساء الحوامل عما في بطونهن، هل هو ذكر أو أنثى، ولكن لا شك أن الحمل إذا خرج عن دائرة الغيب وعرفه الملك أمكن معرفته، وقبل ذلك لا يمكن بحال؛ لأنه من الخمس المغيبات التي لا يعلمها إلا الله.
والمعنى: قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله، فإنه بدل مِن "مَن" قاله الزجاج. وقال الفراء: وإنما رفع ما بعد "إلا" لأن ما قبلها جحد.
يعني ليس استثناء تام موجب، إنما هو سالب؛ لأن ما قبلها جحد، يعني من في من، تقدمت عليه {قُل لَّا يَعْلَمُ} إذا كان الاستثناء منفي يرفع، وإذا كان الاستثناء تام موجب فإنه ينصب.
كقوله: ما ذهب أحد إلا أبوك، والمعنى واحد، قال الزجاج: ومن نصبَ نصب على الاستثناء، يعني في الكلام، قال النحاس: وسمعته يحتج بهذه الآية على من صدق منجماً، وقال: أخاف أن يكفر بهذه الآية.
نعم، من يزعم أنه يدعي علم الغيب، ولم تكن لديه شبهة يتشبث بها لا شك أنه كافر، الذي يدعي علم ما نفاه الله -جل وعلا- لا شك في كفره، إلا إذا كانت لديه شبهة عنده لديه شبهة، فتزال هذه الشبهة قبل الحكم عليه.
قلت: وقد مضى هذا في "الأنعام" مستوفى، وقالت عائشة: من زعم أن محمداً يعلم ما في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية ...
غلاة الصوفية جعلوا له من العلوم جميع ما يعلمه الله -جل وعلا-، غلاتهم يزعمون أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب، بل جعلوا له كل ما يخص به الرب -جل وعلا-، نسأل الله السلامة والعافية.