قوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} [(٨٦) سورة النمل]. أي يستقرون فينامون، {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [(٦٧) سورة يونس]: أي يبصر فيه لسعي الرزق. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بالله: ذكر الدلالة على إلهيته وقدرته: أي ألم يعلموا كمال قدرتنا فيؤمنوا؟.
ومن أعظم نعم الله -جل وعلا- على الناس، وعلى المخلوقات أن قسم الوقت إلى قسمين: قسم ينامون فيه ويستريحون ويسكنون فيه.
وقسم: يبحثون فيه عن أرزاقهم وما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، فلو تصور أن الوقت كله ليل، سرمد، ظلام دامس، كيف يتصرف الناس في معاشهم، قد يقول قائل: الكهرباء يحل هذه المشكلة، نقول: لا يحل هذه المشكلة، الأمم عاشت قرون متطاولة بدون كهرب، ما يكون واقعهم لو كان الوقت كله ليل، والعكس لو كان كله نهار، فالنهار ليس بصالحٍ للنوم، النهار ليس بصالحٍ للنوم، وإنما النوم فائدته إنما تكون في الظلام، حتى قال بعضهم: إن من كان نومه بالنهار فقط، لا شك أن هذا يتضرر عاجلاً أو آجلاً، وإذا ابتلي بذلك وصار وظيفته بالليل كالعسس ونحوهم، وكثير من المسلمين صار هذا واقع أن كلهم عسس، المقصود أنهم إذا ابتلوا بهذا يعمدوا في النهار إلى مكانٍ مظلم، شديد الظلمة، فينامون فيه؛ لأن هذا أنفع لهم، وبعض الناس أصلاً لا يأتيه النوم ولا يستطيع أن ينام في الضوء ضوء النهار، المقصود أن هذه من أعظم نعم الله -جل وعلا- على الناس، إذ لو كانت الدنيا كلها نهار؛ لأضر بهم ذلك، والنوم مصلحته ظاهرة، ولا يمكن أن يعيش الإنسان بدونه، لو كانت الدنيا كلها نهار لأدى ذلك ببعض الناس أن تكون معيشته في كل الوقت، من شدة حرصهم على الدنيا ونهمهم بها، وتركوا النوم الذي تقوم به حياتهم ويستعينون به على قضاء حوائجهم، وقل العكس: لو كان الوقت كله ظلام دامس؛ لأخلد كثير من الناس إلى الراحة وناموا جميع الوقت، وهذه من نعم الله -جل وعلا- أن جعل الوقت مقسوم بين ليلٍ أو نهار، ويولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، يعني يدخل النهار على الليل فيطول النهار، ويدخل الليل على النهار فيطول الليل، وهذا واضح في الشتاء والصيف.