{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [(٨٨) سورة النمل]: أي هذا من فعل الله، وما هو فعل منه فهو متقن، وترى: من رؤية العين، ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين، والأصل ترأى فألغيت حركة الهمزة على الراء فتحركت الراء وحذفت الهمزة، وهذا سبيل تخفيف الهمزة إذا كانت قبلها ساكن، إلا إن التخفيف لازم لترى، وأهل الكوفة يقرؤون تحسبها بفتح السين وهو القياس؛ لأنه من حسِب يحسَب، إلا أنه قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل.
يعني في المضارع: يحسِب. نعم.
فتكون على فعِل يفعِل مثل: نعِم ينعِم، وبئِس يبئِس، وحُكي: يئس ييئس من السالم، لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [(٨٨) سورة النمل]، تقديره: مراً مثل مر السحاب، فأقيمت الصفة مقام الموصوف، والمضاف مقام المضاف إليه، فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض، وتجمع وتسير كما تسير السحاب، ثم تُكسر فتعود إلى الأرض كما قال:{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [(٥) سورة الواقعة]، صنع الله: عند الخليل وسيبويه منصوب على أنه مصدر؛ لأنه لم قال -عز وجل-: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} دل على أنه قد صنع ذلك صنعاً، ويجوز النصب على الإغراء: أي انظروا صنع الله فيوقف على هذا على السحاب، ولا يوقف عليه على التقدير الأول، ويجوز رفعه على تقدير: ذلك صنعُ الله الذي أتقن كل شيء أي أحكمة، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((رحم الله من عمل عملاً فأتقنه)). وقال قتادة: معناه: أحسن كل شيء.
والإتقان: الإحكام، يقال: رجل تقٍ أي حاذق بالأشياء، وقال الزهري: أصله من ابن تقن، وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل يقال له: أرمى من ابن تقن، ثم يقال لكل حاذقٍ بالأشياء تقن.
{إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [(٨٨) سورة النمل].