قوله: اتفقوا، يريد بذلك أهل الحق، على أن الله تعالى خلق في موسى معنى من المعاني أدرك به كلامه إنما سمع كلام الله -جل وعلا-، بأذنه كما يسمع كلام غيره إلا أن البون بين الخالق والمخلوق هو معروف، أن الخالق لا يشابه الخالق في شيء من الأشياء، لكن الله -جل وعلا- يتكلم كما أثبت ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، وأنه بصوت وحرف يُسمع، والسمع إنما يكون من الأذن، أما خلق القدرة على السماع مع حدوث الكلام أو خلق القدرة على الإبصار مع وجود المبصر، فإن هذا لا شك أنه عند المعتزلة معتمد كما هو عند الأشاعرة، عند الأشاعرة أن هذه الأسباب التي هي السمع والبصر وغيره، المدركات للمسموعات والمبصرات لا تسمع بذاتها، ولا تفيد بذاتها، فإن السمع وجوده مثل عدمه، لكن الله -جل وعلا- يخلق عند وجود المسموع قوة مدركة تدرك هذا المسموع، وخذ مثل هذا في البصر، فالإنسان يبصر عند البصر لا به، ويسمع عند السمع لا به، ويشبع عند الأكل لا به، ويروى عند الري لا به، فعندهم الأسباب معطلة لا قيمة لها، وكلامهم واضح؛ لأنه تقدم مراراً القول بأن الأشعرية يقررون بأنه يجوز أن يرى الأعمى في الصين بقة الأندلس، الأعمى الذي لا يدرك الجمل الذي بين يديه، يجوز أن يرى بقة الأندلس، صغار البعوض، وهو في أقصى المشرق، وهي في أقصى المغرب، لماذا؟ لأن السبب لا قيمة له، وجوده مثل عدمه، الأعمى والمبصر سواء، القريب والبعيد سواء، إلا أن الله -جل وعلا- يخلق عند هذا البصر ذلك الإبصار، وهذا كلام -من تصور حقيقته وجده- أشبه بالهذيان لا قيمة له، فيبالغ الأشعرية في انتفاء الأثر المرتب على الأسباب، كما أن المعتزلة ضدهم، يبالغون في إثبات الأثر، ويرون أن الأسباب فاعلة في نفسها، وأهل السنة يرون أن الأسباب لها أثر، لكن المؤثر والمسبب هو الله -جل وعلا-.
واختلفوا في نبينا عليه السلام هل سمع ليلة الإسراء كلام الله؟ وهل سمع جبريل كلامه؟ على قولين: وطريق أحدهما النقل المقطوع به، وذلك مفقود. واتفقوا على أن سماع ...