إني سمعت محمداً يحدث أن بني قريظة صالحوه على أن يرد عليهم إخوانهم من بني النضير إلى دورهم وأموالهم، على أن يدفعوا إليه الرهن ويقاتلون معه ويعيدون الكتاب الذي كان بينهم، فخرج أبو سفيان إلى أشراف قريش فقال: أشيروا عليّ وقد ملّوا مقامهم، وتعذرت عليهم البلاد، فقالوا: نرى أن نرجع ولا نقيم فإن الحديث على ما حدثك نعيم والله ما كذب محمد، وإن القوم لغدر.
وقال الرُّهْن حين سمعوا الحديث: والله لا نأمنهم على أنفسنا ولا ندخل حصنهم أبداً، قال أبو سفيان: لن نعجل حتى نرسل إليهم فنتبين ما عندهم، فبعث أبو سفيان إليهم عكرمة بن أبي جهل وفوارس، وذلك ليلة السبت، فأتوهم فكلموهم فقالوا: إنا مقاتلون غداً فاخرجوا إلينا.
قالوا: إن غداً السبت وإنا لا نقاتل فيه أبداً.
قال عكرمة: إنا لا نستطيع الإقامة، هلك الظهر والكراع ولا نجد رعياً.
قالت اليهود: إنا لا نعمل يوم السبت عملاً بالقتال، ولكن امكثوا إلى يوم الأحد، وابعثوا إلينا بالرهن، فرجع عكرمة وقد يئس من نصرهم، واشتد البلاء والحصر على المسلمين وشغلتهم أنفسهم فلا يستريحون ليلاً ولا نهاراً، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث رجلاً فيخرج من الخندق فيعلم ما خبر القوم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه١ فقال: "هل أنت
١ الذي في صحيح مسلم ٣/ ١٤١٤- ١٤١٥ رقم (١٧٨٨) "أن النبي صلى الله عليه وسلم انتدب حذيفة بن اليمان رصي الله عنه بعد أن نادى في الناس أن يأتوه بخبر القوم، فلما لم يجبه أحد عين حذيفة رصي الله عنه"، ولم أر في المصادر التي وقفت عليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أصحابه فاعتل.