للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث١، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه فقال: "اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف" ليرى المشركون جلدهم وقوتهم، وكان يكابدهم بكل ما استطاع، فاستكف٢ أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً٣ بالسيف يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنا الشهيد أنه رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله

فاليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله٤


١ هي: لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية - أم الفضل - وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، زوج العباس بن عبد المطلب، ووالدة أولاده: الفضل وعبد الله وغيرهما، وهي لبابة الكبرى مشهورة بكنيتها، ومعروفة باسمها. الإصابة ٤/ ٣٩٨.
٢ استكف به الناس: إذا أحدقوا به، واستكفوا حوله ينظرون إليه. النهاية ٤/ ١٩٠.
٣ متوشحاً بالسيف: توشح بسيفه وثوبه: تقلد. القاموس (وشح) .
٤ عند ابن إسحاق: (ابن هشام ٢/ ٣٧١) : نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله
قال ابن هشام: "نحن قتلناكم على تأويله ... إلى آخر الأبيات، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقتل بالتأويل من أقر بالتنزيل". المصدر السابق.
قال الحافظ ابن حجر: "وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله: "نحن نضربكم على تأويله" إلى آخر الشعر، من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين، قال: ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، انتهى. وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام: نحن نضربكم على تأويله، أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملاً وثبتت الرواية سقط الاعتراض، نعم الرواية التي جاء فيها: "فاليوم نضربكم على تأويله" يظهر أنها قول عمار، ويبعد أن تكون قول ابن رواحة، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية: نحن ضربناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله
يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز، ويقول هذه اللفظة، ومعنى قوله: "نحن ضربناكم على تنزيله" أي في عهد الرسول فيما مضى، وقوله: "واليوم نضربكم على تأويله" أي الآن وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور. والله أعلم". اهـ. كلام الحافظ. الفتح ٧/ ٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>