للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خيرٌ وأولى، فقال: هذه الكلمةُ أقربُ إلى الأُلفة، وأرفقُ ممّا أجابَ القاضي الإمامُ الحسنُ الماتريديُّ عن هذه المسألةِ، فإنَّه قال: يعزَّرُ البائسُ المرتدُّ (١) أشدَّ التعزيرِ حتَّى يتركَ الردّةَ ويرجعَ إلى المذهبِ السديدِ (٢).


(١) ولفظ المرتدّ لا ريب أنّه لا يصحّ إطلاقه اصطلاحًا في حقّ من ترك مذهبًا إلى غيره، لكن في عبارات بعض من ينكر تحريم الانتقال للهوى ما يدلّ على موافقة المعنى، قال ابن تيمية في الفتاوى (٥/ ٩٦): (ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغيرِ أمرٍ دينيٍّ، مثلِ أن يلتزمَ مذهبًا لحصولِ غرضٍ دنيويٍّ من مالٍ أو جاهٍ ونحوِ ذلكَ فهذا ممّا لا يُحمَدُ عليهِ، بل يُذَمُّ عليه في نفسِ الأمرِ، ولو كانَ ما انتقلَ إليه خيرًا ممّا انتقلَ عنه، وهوَ بمنزلةِ من يُسلِمُ لا يسلِمُ إلا لغرضٍ دنيويٍّ، أو يهاجرُ من مكّةَ إلى المدينةِ لامرأةٍ يتزوّجها أو دنيا يُصيبُها). وفي هذه العبارة أنّه بمنزلة المنافق ولا يحكَمُ بإسلامِه، فليست بعيدة عمّن سمّاه مرتدًّا، وفي كلام الأئمّة مما سيأتي في الهامش التالي ما يزيلُ غموضَ هذه المقالَةِ.
(٢) وهذه العبارةُ ظاهرُها من التشدّدِ غيرِ المقبولِ، وفسّرها ابنُ عابدين بأمرينِ يُزيلانِ الإشكالَ.
أوّلهما: أنّ المرادَ الانتقالُ للمتلاعبِ، وهذا لا يتوقّفُ على المنتقلِ من مذهبِ الحنفيّةِ؛ بل يُطلق على المنتقل من الشافعيّة إلى الحنفيّة أيضًا، فليس من باب التعصّب في شيء، بل هو من الانضباط.
الثاني: إذا لم يكن انتقاله لغرضٍ صحيحٍ، فأمّا المنتقلُ لغرضٍ صحيحٍ فلا يُقال له هذا.
ولعلّ مرادَهم أنّ المغيّرَ لمذهبِه لغرضٍ غيرِ صحيحٍ.
ومن الأغراض غير الصحيحة: امرأةٌ تُغيِّرُ مذهبَهَا لأجلِ أن يقعَ طلاقُها، أو تنتقلُ ليُفرَّقَ بينها وبينَ زوجِها؛ كشافعيّةٍ رضعَت من أمِّ زوجِها مرّةً فتصيرَ حنفيّةً لتُفرَّقَ عنه وتحرُمَ عليه.
أو مغيّرٍ لمذهبِه لأجلِ إسقاطِ ما وجبَ عليه على مذهبه، ثم العودةَ مرّةً أخرى إلى مذهِبه الأوّلِ، فهو متلاعبٌ بالدّين؛ لذلك يصيرُ بالمرتدِّ أشبهَ.
أمّا أصلُ الانتقالِ بين المذاهب فلا ريبَ في جوازه لحاجةٍ صحيحةٍ عندَ علماءِ أهلِ السنّة، بشرطِ معرفةِ أحكامِ المذهبِ المنتقَلِ إليه وتعلُّمِها وضبطِها، قال العلامةُ ابنُ عابدينَ في حاشيته (ردّ المحتار) (٤/ ٨٠): (إذا ارتحلَ إلى غيرِ مذهبِهِ (قولُهُ: ارتحلَ إلى مذهبِ الشافعيِّ، يُعزِّرُ) أي: إذا كانَ ارتحالُهُ لا لغرضٍ محمودٍ شرعًا، لما في التتارخانيّة: حُكِيَ أنَّ رجلًا من أصحابِ أبي حنيفةَ=

<<  <   >  >>