للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


=خطب إلى رجلٍ من أصحابِ الحديث ابنتَهُ في عهدِ أبي بكرٍ الجوزجانيِّ؛ فأبى إلّا أن يترك مذهبَهُ؛ فيقرأَ خلف الإمام، ويرفعَ يديهِ عندَ الانحطاطِ ونحوَ ذلك؛ فأجابَه فزوّجَهُ، فقال الشيخُ بعدما سُئِلَ عن هذهِ وأطرقَ رأسَهُ: النكاحُ جائزٌ، ولكنْ أخافُ عليهِ أن يذهب إيمانُهُ وقتَ النزعِ؛ لأنّه استخفَّ بمذهبِهِ الذي هو حقٌّ عندَهُ وتركَهُ لأجلِ جيفةٍ منتنةٍ، ولو أنَّ رجلًا برِئَ من مذهبِهِ باجتهادٍ وضُحَ لهُ كانَ محمودًا مأجورًا.
أمّا انتقالُ غيرِهِ من غيرِ دليلٍ، بل لما يرغَبُ من عَرَضِ الدنيا وشهوتِها فهو المذمومُ الآثمُ المستوجِبُ للتأديبِ والتعزيرِ؛ لارتكابِهِ المنكرَ في الدينِ واستخفافِهِ بدينِهِ ومذهبِه. أهـ ملخّصًا.
وفيها عن الفتاوى النسفيّةِ: الثباتُ على مذهبِ أبي حنيفةَ خيرٌ وأولى، قال: وهذه الكلمةُ أقربُ إلى الأُلفَةِ اهـ: وفي آخر التحريرِ للمحقّقِ ابنِ الهمامِ: مسألةٌ: لا يرجِعُ فيما قلّدَ فيه، أي: عمِلَ به اتفاقًا، وهل يُقلِّدُ غيرَهُ في غيرِهِ؟ المختارُ: نعم؛ للقطعِ بأنّهم كانوا يستفتونَ مرّةً واحدًا ومرّةً غيرَهُ، غيرَ ملتزمين مفتيًا واحدًا، فلو التزَمَ مذهبًا معيّنًا كأبي حنيفةَ والشافعيِّ؛ فقيل يلزَمُ، وقيل لا، وقيلَ مثلَ مَن لم يلتزم، وهو الغالبُ على الظنِّ؛ لعدمِ ما يوجبُهُ شرعًا. أ. هـ ملخّصًا. قال شارحُهُ المحقّقُ ابن أمير الحاج: بل الدليلُ الشرعيُّ اقتضَى العمَل بقولِ المجتهدِ وتقليدَه فيه فيما احتاج إليه وهو - ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣]- والسؤالُ إنّما يتحقّق عند طلبِ حكمِ الحادثةِ المعيَّنَةِ، فإذا ثبتَ عندَه قولُ المجتهدِ وجبَ عملُهُ به، وأمّا التزامُهُ فلم يثبت من السمعِ اعتبارُهُ ملزِمًا، إنّما ذلكَ في النذر، ولا فرقَ في ذلكَ بينَ أن يلتزِمَهُ بلفظِهِ أو بقلبِه، على أنَّ قولَ القائلِ مثلًا: قلّدتُ فلانًا فيما أفتَى به، تعليقُ التقليدِ والوعدُ به، ذكرَهُ المصنّفُ. أ. هـ.
مطلب: العاميُّ لا مذهبَ له:
قلتُ: وأيضًا قالوا: العاميُّ لا مذهبَ له، بل مذهبُهُ مذهبُ مفتيهِ، وعلَّلهُ في شرحِ التحريرِ بأنَّ المذهبَ إنّما يكون لمن له نوعُ نظرٍ واستدلالٍ وبصرٍ بالمذهبِ على حسَبِهِ، أو لمن قرأ كتابًا في فروعِ ذلك المذهبِ وعرفَ فتاوى إمامِه وأقوالَه.
وأمّا غيرُهُ ممّن قال: أنا حنفيٌّ أو شافعيٌّ، لم يصِر كذلكَ بمجرّدِ القولِ، كقولِه: أنا فقيهٌ أو نحويٌّ أ. هـ.
وتقدّمَ تمامُ ذلكَ في المقدّمةِ أوّلَ هذا الشرحِ، وإنّما أطَلْنا في ذلكَ؛ لئلّا يغترَّ بعضُ الجهلَةِ بما يقعُ في الكتبِ من إطلاقِ بعضِ العباراتِ الموهِمةِ خلافَ المرادِ فيحمِلَهَم على تنقيصِ الأئمةِ =

<<  <   >  >>