للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"نه" يقولُ مالِكٌ: إن كانَ سهوُهُ عن نقصانٍ: سَجَدَ قبلَ السلامِ، وإن كانَ عَنْ زيادةٍ: سجدَ (١) بعدَ السلامِ. (٢)

وفيه حكايةٌ مذكورةٌ في "النهاية": أنَّ أبا يُوسُفَ كَانَ معَ هارونَ الرشيدِ، فجاءَ (٣) مالِكٌ فسألَه أبو يُوسُفَ (٤) هذه المسألةَ، فقالَ مالِكُ: إن كانَ بنقصانٍ: يَسجُدُ قبل السلامِ، وإن كانَ للزيادةِ: يَسجُدُ بعدَ السلامِ.

فقال أبو يوسفَ: ما قولُكَ لو وقعَ السهوُ في الزيادة والنقصانِ معًا (٥)؟ فسكَتَ مالِكٌ، فقالَ أبو يوسفَ: الشيخُ تارةً يُخطِئُ، وتارةً لا يُصيبُ.


(١) في (س) و (ص): (يسجد).
(٢) قول المالكية بصحة تأخير القبليِّ إلى ما بعد السلام، وأنه سجود صحيحٌ، وهو موافقٌ لقول أئمتنا، قال ابن جزي في القوانين الفقهية (ص: ٥١): "يسجدُ للنقصانِ قبل السلام، وللزيادة بعدَه، فإن اجتمعتِ الزيادةُ وَالنقصانُ فقبلَ السلامِ، وقال الشافعيُّ: قبلُ مُطلقًا، وأبو حنيفةَ: بعدُ مُطلقًا، وابن حنبلَ: قبلُ حيثُ ورد في الحديثِ، وبعدُ في غيره، وعلى المذهب: إن قدَّمَ البعديَّ أجزأه، وقيلَ: يُعِيدُه بعدُ، وإن أخرَ القبليَّ فأولى بالصِّحَّةِ" وقال القرافي في الذخيرة (٢/ ٢٩٢): "سجودُ السهو عند مالكٍ للنقصانِ قبلُ، وللزيادة على سبيل الأولى، وقال (ش): كلاهما قبلُ، وقال (ح): كلاهما بعدُ، ورواه عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ وعمارٍ وابن أبي وقاصَ رضوان الله عليهم أجمعينَ، وقال ابن حبيبٍ كلاهما قبلُ لموردِ النصِّ. لنا ما في مسلمٍ أنه "قامَ من اثنتين فسجدَ قبلُ، وسلّم من اثنتينِ ومن ثلاثٍ فسجدَ بعدُ" ولأنَّ النقصانَ بدلٌ ممّا هو قبلَ السلام، فيكونَ قبلَ السلام، والزيادةَ زجرٌ للشيطانِ عن الوسوسةِ في الصلاةِ؛ لما فيهِ من ترغيمِهِ، فَإِنَّ الإنسانَ إذا سجدَ اعتزلَ الشيطانُ يبكي ويقولُ: يا ويلَه أُمِرَ ابن آدمَ بالسجودِ فسجدَ، فلهُ الجنَّةُ، وأمِرْتُ بالسجودِ فعصيتُ، فليَ النار". الحديث. فيكونُ بعدَ السلامِ حذرًا من الزيادة".
(٣) في (س): (فجاءه).
(٤) زيد في (س): (عن).
(٥) في (س) و (ص): (جميعًا).

<<  <   >  >>