"نه" رُوِيَ في "الأمالي" عن أبي يوسفَ: أَنَّه يُصلَّى على المَيِّتِ في القبرِ إلى ثلاثة أيّامٍ، وبعدما مضتِ الثلاثُ: لا يُصلَّى عليه، وكذا ذَكَرَ ابن رستمٍ في "نوادِرِه" عن مُحمَّدٍ عن أبي حنيفةَ (١).
والصحيحُ: أنَّ هذا ليسَ بتقديرٍ لازمٍ؛ لأنَّ تَفرُّقَ الأجزاء يختلِفُ باختلافِ حالِ الميِّتِ من السمَنِ والهُزال، ومن اختلافِ الزمانِ من الحرِّ والبردِ.
فإن كان في رأيهم أَنَّه تفرَّقَ أجزاءُ الميِّتِ المُعيَّن قبل ثلاثةِ أَيَّامٍ: لا يُصلُّون عليه إلى ثلاثة أيامٍ.
(١) قال في البدائع معلّلًا ذلك (١/ ٣١٥): "وأمّا بعد الثلاثة أيّامٍ لا يُصلَّى؛ لأنَّ الصلاةَ مشروعةٌ على البدَنِ، وبعد مُضِيِّ الثلاثِ ينشقُّ ويتفرَّقُ فلا يبقى البدنُ، وهذا لأنَّ في المدَّةِ القليلة لا يتفرَّقُ، وفي الكثيرةِ يتفرَّقُ، فجُعِلَتِ الثلاثُ في حدِّ الكثرَةِ؛ لأنّها جمعٌ، والجمعُ ثبَتَ بالكثرةِ؛ ولأنَّ العبرَةَ للمعتادِ، والغالبُ في العادةِ أنَّ بِمُضِيِّ الثلاثِ يتفسَّخُ ويتفرَّقُ أعضاؤه، والصحيحُ أنَّ هذا ليسَ بتقديرٍ لازمٍ؛ لأنه يختلفُ باختلافِ الأوقاتِ في الحرِّ والبردِ، وباختلاف حال الميتِ في السمنِ والهزال، وباختلافِ الأمكنةِ، فيُحكَّمُ فيهِ غالبُ الرأي وأكبرُ الظنَّ، فإن قيلَ: رُوِيَ عن النبيِّ ﷺ "أنّه صلّى على شهداءِ أحدٍ بعدَ ثمانِ سنينَ" فالجوابُ: أنّ معناهُ - والله أعلمُ - أنَّه دعا لهم، قال الله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، والصلاةُ في الآيةِ بمعنى الدعاءِ، وقيل: إنّهم لم تتفرّق أعضاؤهم؛ فإنَّ معاويةَ لمَّا أرادَ أن يُحوِّلَهم وجدَهُم كما دُفِنوا فتَرَكَهُم.