(٢) إذا صار الماء مقيّدًا لم يجز الوضوء به، وبهذا يبقيه لشربه، وماء زمزم ممّا يحرص عليه الناس فلا يستعملونه في الوضوء، لكن إن لم يكن غيره وجب الوضوء به إلا بمثل هذه الحيلة، قال في المحيط البرهاني (١/ ١٣٨): "قال شمسُ الأئمَّةِ: وكان القاضي الإمام أبو علي النسفيُّ رحمهُما اللهُ يقولُ: إِنَّ بعضَ الحجَّاجِ إذا انصرفوا من حجِّهم يضعونَ ماءَ زمزَمَ في آنيةِ الاستسقاءِ أو للعطيَّةِ، ويجعلونَ رأسَ الآنيةِ مُرصَّصًا، ولا يخافونَ على أنفسِهِمُ العطشَ، فربَّما يعزُّ الماءُ في بعضِ المواضِعِ فيتيمَّمُونَ وماءُ زمزَمَ في رحلِهِم، ويرونَ ذلك جائزًا، وهذا منهم جهلٌ وحُمْقٌ؛ لأنَّهم واجدونَ للماءِ، فلا يُجزِئُهمُ التيمُّمُ. وذَكَرَ هذهِ المسألةَ في "فتاوى أبي الليثِ" ﵀، وذَكَرَ فيها حيلةً فقالَ: الحيلةُ أنْ يَهَبَ ذلكَ الماءَ لِمَنْ يُسلَّمُهُ إليهِ ثُمَّ إِنَّ الموهوبَ لهُ يستودِعُهُ منهُ، فيجوزُ له التيمُّمُ، إلا أنَّ هذه الحيلةَ عندَنا ليست بصحيحةٍ؛ لأنَّ القدرةَ على استعمالِ الماءِ بواسطةِ الرجوعِ في الهبَةِ ثابتةٌ، فيَمنَعُ جواز التيمُّمِ، ألا ترى أنَّ القدرةَ على استعمالِ الماءِ بالشراءِ منَعَتْ جوازَ التيمُّمِ، فههُنا أولَى". ولذلك فقد قيّد ابن عابدين ما تصحّ به الحيلةُ بأن يهبَهُ هبةً لا يصحّ الرجوع فيها، أو أن يخلطه بما يغلب عليه، فقال: "حيلة جواز تيمم من معه ماء زمزم ولا يخافُ العطشَ: أن يخلِطَهُ بما يغلبُهُ، أي: بشيءٍ يُخرِجُهُ عن كونِه ماءً مُطلقًا كماءِ وَرْدٍ أو سكّرٍ مثلًا، أو يهبَهُ على وجهٍ يمنَعُ الرجوعَ، أي: بأن تكونَ الهبةُ بشرطِ العِوَضِ". حاشيةُ ابن عابدين (١/ ٢٥٤). (٣) في (ص): (والهداية).