للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكانوا مِنَ (١) المتَفَجِّعينَ لِفِراقِها، كما (٢) أَنَّ المشيَ في الماءِ يقتضي بللًا لا محالةَ يلتَصِقُ بالقدَمِ، فكذلكَ مُلابَسةُ الدنيا (٣) علاقةٌ وظُلْمةٌ في القلبِ، بل علاقةُ القلبِ معَ الدنيا تَمنَعُ حلاوةَ العبادةِ، ونُورَ الرياضةِ، وذَهابُ حلاوةِ (٤) العبادةِ مِنَ القلبِ علامةُ البُعدِ من اللهِ تعالى، نعوذُ باللهِ (٥).

ألا يا أيُّها السالكُ ذلكَ كذلكَ، وأنا أحذِّرُكَ عن ذلكَ، فعليكَ بِتصفيةِ بالِكَ، وتحليَةِ (٦) بَلبَالِك (٧)، ترفعْ (٨) محبَّةَ مالِكَ، حتَّى تَنجوَ مِن أعظَمِ المهالِكِ، وَيَسهُلُ لكَ العبُورُ (٩) عَنِ الحُجُبِ في المسالكِ.


(١) في (س) و (ص): (أعظم).
(٢) في (ص): (فكما).
(٣) زيد في (س) و (ص): (يقتضي).
(٤) في (ص): (لذَّة).
(٥) زيد ففي (ص): (وعلى هذا إنَّ الشهيدَ تَبطُلُ درجةُ شهادَتِهِ إذا نال حظًّا من حظوظِ الدنيا، ولو شربةَ ماءٍ، أو ظلَّ شجرَةٍ، وحُرِمَ كرامةَ الشهَدَاءِ، وامتنَعَ إلحاقُهُ بشهداءِ أحدٍ بشؤمِ حظِّ الدنيا؛ فإنّهم قد ماتُوا عطاشًا والكأسُ يُدارُ عليهِم ولم يَشرَبوا خوفًا من نقصانِ الشهادةِ، هذا في شَرْبَةِ ماءٍ؛ فما ظنُّكَ بمَن جمع الدنيا بحَذافِيرها، أما ينقُصُ من درجتِهِ في دارِ الآخرَةِ، حيثُ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ وقالَ : "حلاوةُ الدُّنْيَا مرارةُ الآخِرَةِ، ومَرَارَةُ الدُّنْيا حَلاوَةُ الآخِرَةِ).
(٦) في الأصل: (وتحليته)، وفي (ص): (وتخلية).
(٧) (البَلْبَلَةُ: وَسْواس الهُمُوم في الصَّدْر، وهو البَلْبالُ، والجمع البلابل)، ينظر: العين (٨/ ٣٢٠)، وفي جمهرةِ اللغةِ (١/ ١٧٧): (البلبلةُ: الحركةُ والاضطِرَابُ، تَبَلْبَلَ الْقَوْمُ بَلبَلَةً وبلبالًا وبَلبَالًا. والبلبَلَةُ أيضًا: مَا يَجِدُهُ الإِنسانُ في قلبِهِ من حركةِ حُزْنٍ، وَهُوَ البلبالُ أيضًا)، وهو على وزن فَعْلال، ينظر: شمسُ العلومِ ودواءُ كلامِ العربِ من الكلوم (١/ ٣٩٨).
(٨) في (س): (تدفع).
(٩) قوله: (لك العبور) هو في (س): (كل لعبور).

<<  <   >  >>