للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبّهُوا (١) المشايخَ في خِرقَتِهم وفي سيَاحتِهم وفي لفظِهِم وعباراتِهِم (٢) وفي آدابِ (٣) ظاهرِهم من سيرَتِهم، فيظُنُّونَ بأنفُسِهم خيرًا، ويحسَبُونَ أَنَّ كُلَّ سوداءَ تَمرةً، وبيضاءَ شحمةً، فيتوهَّمُونَ (٤) أَنَّ المُشاركةَ في الظواهِرِ تُوجِبُ المُساهَمةَ في الحقائقِ، هيهات! (٥).

فما أغدَرَ (٦) حماقةَ من لا يُميِّزُ بين الشحمِ والوَرَمِ، فهؤلاء بُغَضاءُ اللهِ تعالى.

اللهمَّ، أيقظنا من نَومَةِ (٧) الغرور والغفلَةِ، واحفظنا من اتّباعِ الهوى والضلالةِ، واهدِنا الصراطَ المُستقيمَ والنهجَ القويمَ إنَّك رؤوفٌ رحيمٌ.

أمَّا بعدُ: فإنَّ الفقيرَ الحقيرَ المُتحيِّرَ في تِيهِ الحَيرَةِ (٨) والوحشَةِ، والمُبتلَى في دارِ الغُربَةِ بالكربَةِ، والطالِبِ [الحيرَةَ (٩) مع إساءةِ الأدبِ الزِّيفةِ والقربةِ، والمعترِفَ بكثرةِ الذنوبِ والجريمةِ، والمُقِرَّ بقلَّةِ البضاعةِ، محرِّرَ هذه الفوائدِ، ومُؤلِّفَ هذه الفرائدِ، العبدَ الخائفَ من ذنْبِ نفسِهِ، الأنصاريَّ طاهرَ بنَ إسلامِ بنِ قاسمٍ الأنصاريَّ، بصَّرَهُ الله بعيوبِ نفسِهِ قبل أن يُذيقَهُ الحِمامَ من كأسِهِ، وجُعِلَ يومُه خيرًا من أمسِهِ، وخُتِمَ له وقت خروجِ نَفَسِه، ولقَّنَهُ الجوابَ عندَ دخولِ رَمسِهِ، وجعلَهُ في زمرةِ


(١) في (س) و (ص): (تشبهوا).
(٢) في (ص): (وعباداتهم).
(٣) في (س): (أدب).
(٤) في (ص): (ويتوهمون).
(٥) زيد في (س): (هيهات).
(٦) في (ص): (أعزر).
(٧) في (س): (نوم).
(٨) زيد في (س) و (ص): (والدهشة والغريق في تيّار بحر الحسرة)، في (س): (الحيرة).
(٩) قوله: (الحيرة): سقط من (س).

<<  <   >  >>