للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسلامه عليهم أوذوا بالقول وأوذوا بالفعل، اقرأ قول الله عز وجل: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: ٥٢] (١) ما رأيك فيمن يأتيه الوحي من ربه ويقال له في وجهه إنك ساحر أو مجنون؟ لا شك أنه يتأذى، ومع هذا فالرسل صبروا على ما أوذوا بالقول وعلى ما أوذوا بالفعل. انظر إلى أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام:

كان قومه يمرون به وهو يصنع الفلك ويسخرون به فيقول لهم: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ - فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: ٣٨ - ٣٩] (٢) ولم يقتصر الأمر بهم على السخرية به بل توعدوه بالقتل: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: ١١٦] (٣) أي من المقتولين رميا بالحجارة. هنا توعد بالقتل مع تهديد بأنا قد رجمنا غيرك إظهارا لعزتهم وأنهم قد رجموا آخرين وأنت منهم، ولكن هذا لم يثن نوحا عليه الصلاة والسلام عن دعوته بل استمر حتى فتح الله بينه وبين قومه. وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قابله قومه بالرفض بل شهروا به بين الناس: {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [الأنبياء: ٦١] (٤) ثم توعدوه بالإحراق: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ٦٨]


(١) سورة الذاريات، الآية ٥٢.
(٢) سورة هود، الآيتان ٣٨، ٣٩.
(٣) سورة الشعراء، الآية ١١٦.
(٤) سورة الأنبياء، الآية ٦١.

<<  <   >  >>