للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما سبق ازدادت الحالة الدينية سوءا بين المسلمين، ومما زاد في ذلك جمود علماء المسلمين في تلك الفترة، وتمسكهم بالقديم أيا كان خاصة علماء الآستانة وعلماء الأزهر، وقد شجعهم على هذا كره أصحاب السلطة في تلك الفترة للإصلاح أيا كان نوعه، وكثيرا ما يعدون صاحبه كافرا، كما فعلت الدولة العثمانية مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حينما عدت دعوته وحركته الإصلاحية خارجة عن الدين (١) وبعكس ذلك أطلق أصحاب السلطة العنان لأهل البدع والمتصوفين والبلهاء حتى علا شأنهم عند العامة واعتقدوا فيهم الولاية.

يقول عبد المتعال الصعيدي: " كان الأبله محمد بن أبي بكر المغربي الطرابلسي المتوفى سنة ١٢٠١ هـ (١٧٨٦ م) ممن يعتقد فيهم الولاية، وكان يحب مجالس الشراب , ويتهافت على مجلسه النساء، ومع ذلك كان أهل الفضل من العلماء وغيرهم يحترمونه , وينقلون عنه أخبارا حسنة، وكان الولاة لا يردون له شفاعة "، ثم أورد مثالا آخر في هذا الصدد فقال: " وكان الشيخ البكري المتوفى سنة ١٢٠٧هـ (١٧٩٢ م) في أول أمره أبله، يمشي في الشوارع مكشوف الرأس والسوأتين، فاعتقد أهل مصر فيه الولاية، كما هي عادتهم في كل أبله. . وصاروا ينسبون له الكرامات " (٢) .

، ويورد المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه قصة العنزة التي ادعى كبير خدام المشهد النفيسي بمصر أن السيدة نفيسة أوصت بها خيرا، فنسب الناس إليها الكرامات، وأرسلوا لها الهدايا الثمينة (٣) .

وكان لأصحاب الطرق الصوفية منزلة عظيمة عند العامة وأصحاب السلطة فنشروا بذلك بدعهم بين الناس، كاتخاذهم مغنيين وطبول، وأعلام وسبح كبيرة ورفع الصوت بالذكر والغناء وتعظيم شيخ الطريقة وتقبيل أياديه والتبرك به وغير ذلك من أنواع البدع التي وقعت فيها الطرق الصوفية، وكان انتشار نفوذ


(١) Nicholson، R. A.، Ibid P ٤٦٧.
(٢) عبد المتعال الصعيدي: المجددون في الإسلام ص ٤٢١.
(٣) عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار - الجزء الأول، حوادث سنة ١١٧٢ هـ، طبع دار الفارس (بيروت) بدون تاريخ.

<<  <   >  >>