للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولهما: أن المشركين الأولين لا يدعون آلهتهم من الملائكة والأولياء والأصنام إلا في الرخاء، أما في حالات الشدة فيخلصون الدين لله، كما قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: ٣٢] بينما مشركو زمانه يتجهون إلى أصحاب هذه القبور في الشدة والرخاء.

ثانيهما: إن الأولين يدعون من الله أناسا مقربين عند الله، إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة، أو يدعون أشجارا وأحجارا مطيعة لله ليست عاصية، بينما بعض مشركي زمانه يدعون مع الله أناسا من أفسق الناس، وممن يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك (١) .

لذلك كله تمسك الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من علماء الدعوة بالقاعدة الأصولية " سد الذريعة " والتي تقول إن كل ما يفضي إلى محرم فهو محرم مثله، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور لأن ذلك قد يكون ذريعة إلى تعظيمها ثم عبادتها، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو فيه أو المبالغة في مدحه أو اتخاذ قبره عيدا؛ لما يفضي ذلك كله إلى تعظيمه ثم عبادته وهو الشرك بعينه، «وقال للرجل الذي قال له: ما شاء الله وشئت: " أجعلتني لله ندا؟ ما شاء الله وحده» . . وهكذا (٢) .

ليس معنى ذلك أن علماء الدعوة يمنعون زيارة القبور مطلقا، ولكنهم يقسمون هذه الزيارة إلى ثلاثة أنواع: شرعية، وبدعية، وشركية.

أما الشرعية: فهي التي يقصد بها الزائر تذكر الآخرة والترحم على الميت والدعاء له بالمغفرة وقراءة الدعاء المأثور في ذلك الموطن، فهذا العمل مستحب شرعا.

أما البدعية: فهي التي يقصد بها الزائر دعاء الله وسؤاله عند قبر ذلك الميت، فهذا العمل بدعة منهي عنه.

أما الشركية: فهي ما يفعله الوثنيون عند القبور من الشرك البواح , وذلك بصرف أحد أنواع العبادة لصاحب القبر والتي لا تصلح إلا لله تعالى، كأن يدعو صاحب القبر كشف ضره وجلب الخير له، وشفاء الأمراض والأسقام، مع التقرب له بالذبح


(١) المصدر السابق: ص ٧٧ و ٧٨.
(٢) محمد خليل هراس: مرجع سابق ص ٢٠ و ٢١.

<<  <   >  >>