للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للدعوة وإبلاغ صوتها إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولولا توفيق الله تعالى ثم هذه القوة لما استطاع الشيخ أن يثبت بدعوته طويلا، ولو ثبت لما بقي لدعوته صدى بعد وفاته (١) ومن هنا كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة جامعة للأمور السياسية والدينية معا، ولم تكن دعوة دينية خالصة - كما يزعم بعض المستشرقين (٢) - لأن الإسلام وحده دين ودنيا معا (٣) .

ولقد بذل أنصار الدعوة من (آل سعود) من التضحية بأنفسهم وأموالهم ما سجلها لهم التاريخ بأحرف من نور، فقد حملوا مشعل الدعوة في حياة الشيخ وبعد وفاته، فشدوا من أزره حيا وقاموا مقامه ميتا، فما ضنوا وما ضعفوا حتى ذهبت في سبيل ذلك دولتهم السعودية الأولى ١٢٣٣ هـ (١٨١٨ م) على يد جيوش محمد علي، وقد انتقل روح الدفاع عن الدعوة وتبنيها إلى الدولة السعودية الثانية والثالثة كما كان ذلك في الأولى.

٤ - بيئة الدعوة: فالبيئة التي ظهرت بها الدعوة (نجد) بيئة صحراوية هي أصلح تربة لهذا العمل، فأهلها بسطاء متقشفون، تنتشر فيهم صفات المروءة والشجاعة والنجدة، ويوجد فيهم الرجال الذين يصلحون لحمل الأعباء، ومن ناحية أخرى فقد كانت تلك المنطقة بعيدة عن عصا الدولة العثمانية وعن نفوذ رجال الدين والمتصوفين وفقهاء المذاهب المختلفة الذين يحتلون المناصب الرسمية في الدولة , وكان من الطبيعي على مثل هؤلاء الرجال أن يعارضوا الدعوة خوفا على مراكزهم ومناصبهم (٤) .

لذا فإن هذه الأمور هي إحدى الأسباب التي جعلت الدعوة الإصلاحية بزعامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد تبلغ من النجاح والانتشار أكثر مما بلغت دعوة


(١) انظر عبد الله الشبل: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص ٤٦ - ٦٠.
(٢) حاول بعض الباحثين الأوروبيين تشبيه حركة الدعوة الإصلاحية في نجد بحركة الإصلاح الديني الكاثوليكي في أوربا على أنها حركة دينية فقط حسب زعمهم، انظر: أحمد عبد الرحيم مصطفى (حركة التجديد الإسلامي) ، ص ٣٦.

(٣) منير العجلاني: (تاريخ البلاد العربية السعودية) ج١ (الدولة السعودية الأولى) ص ٢٤١.
(٤) محمد عبد الله ماضي: (النهضات الحديثة في جزيرة العرب) ج١ ص ٤٦.

<<  <   >  >>