الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وآله وصحبه وسلم، وبعد:
ننتقل بعد ذلك إلى حروف النداء:
حروف النداء عند العرب ستة:"أيا" و"هيا" وينادى بها البعيد، والهمزة و"أي" وينادى بها القريب، و"يا" للبعيد والقريب، و"وا" للندبة، هذا المشهور في تقسيم حروف النداء، ولكن الناظر في كتاب الله -سبحانه وتعالى- لا يجد حرفًا استخدم للنداء سوى حرف يا، ولذلك كان القول: بأنه إذا كان حرف النداء محذوفًا لا يقدر سوى يا، فلا يصح تقدير أي حرف سوى يا، أما الحرف الآخر الذي ذهب البعض إلى أنه وقع في كتاب الله وهو النداء بالهمزة، وذلك على قراءة الكسائي:"أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ""أمَنْ هُوَ قَانِتٌ" قالوا: نداء يا من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما، وقالوا: إن الهمزة للاستفهام، فكان ذلك احتمال بأن تكون للنداء أو للاستفهام.
حرف النداء "يا" استخدم في كتاب الله -سبحانه وتعالى- دون سائر حروف النداء، وكان له بعض السمات التي أحصاها شَيْخُنا محمد عبد الخالق عضيمة، في كتابه (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) من ذلك: أنّ جميع الأنبياء عليهم السلام ناداهم الله سبحانه وتعالى بأسمائهم عدا رسولنا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- فقد نودي بوصفه تشريفا وتكريمًا:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}(الأحزاب: ١){يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}(المائدة: ٤١){يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِرُ}(المدثر: ١)، {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ}(المزمل: ١).
كذلك إن لفظ "رب" يكثر في ندائه حذف حرف النداء، فلم تثبت "يا" مع لفظ "رب" إلا في موضعين وهما: قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(الفرقان: ٣٠) وقوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُون}(الزُّخرُف: ٨٨).