اعلم أن ليس النظم إلَّا أن تضع كلامك على الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرفَ مناهجه التي نُهجت، فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها.
هذا بإيجاز شديد معنى النظم. النظم: هو توخي معاني النحو.
بَيَّن الجرجاني هذه المسألة؛ لأن توخي معاني النحو بإيجاز وببساطة، هو ما يجعلك أن تعدل عن أسلوب إلى آخرَ مفضِّلًا عمن عدلتَ عنه، يعني: تختار، يقصد بذلك أنه لماذا اختار الشاعر أو الأديب أو الكاتب أسلوبًا معينًا من الأساليب النحوية، ولم يختَرْ الأسلوب الآخر المساوي له أو الذي يمكن أن يستختدمه، فمن توخَّ معاني النحو واختار ما يخرج نظمه على صورة بديعة.
هذا هو المقصود بالنظم عند عبد القاهر الجرجاني.
ووضَّح ذلك -رحمه الله- بأمثلة يبين منها مرادَه، قال: وذلك أنَّا لا نعلم شيئًا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك: زيد منطلق، زيد ينطلق، ينطلق زيد، منطلق زيد، زيد منطلق، والمنطلق زيد، زيد هو المنطلق، زيد هو منطلق. ضرب أمثلةً متنوعة للعبارات ومقصده من ذلك أنك إذا أردت الإخبار -الخبر الذي هو مقابل الإنشاء- فإنك إما أن تأتي بجملة اسمية أو بجملة فعلية، وإذا ما أتيت بجملة فعلية فإنك تختار الفاعل إما أن يكون معرفًا أو منكرًا، وإذا ما أتيت بجملة اسمية فإما أن تخبر عنها بجملة فعلية، أو تخبر عنها باسم المفرد، وإذا ما أردت