للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتعاورت القراءتان على لفظة واحدة لها معان متنوعة، هذه المعاني تنصب حول شيء واحد، وهو أن الملائكة أصحاب مكانة عند الله، وليسوا كما ادعى هؤلاء المشركون فيهم مِن أنهم إناث وليسوا ذكورًا، فإن الله -سبحانه وتعالى- أخبر أنهم عنده، ومَن عند الملك -سبحانه وتعالى- لا بد أن يكون على أكمل حال، وعلى أتم الأوصاف، فلا يكون منهم نقص فيما ينتقصه الناس من ظنهم أن الإناث ينقصون الذكور في الفضل وفي المكانة، فأخبر الله -سبحانه وتعالى- أنهم عنده، وأنهم أصحاب المكانة العلية، فهم ملائكة كرام ما عصوه سبحانه طرفةَ عين.

تنوع القراءات القرآنية من حيث الإعجاز التشريعي

ننتقل إلى جانب آخر من جوانب الإعجاز في تنوع القراءات القرآنية، وهو الإعجاز التشريعي، أي: فيما يتعلق بمسائل الشريعة.

فمعلوم أن الفقهاء والأصوليين ومَن يتصدون لهذه المسائل التشريعية أو الفقهية، هؤلاء تُعد القراءات عندهم من المصادر المعتمدة التي تبين لهم، ويحتجون به في خلافاتهم، وتظهر وجه الإعجاز في هذه القراءات. فالقراءة حجة الفقهاء في الاستنباط، ومحجتهم في الابتداء، وكل قراءة في حد ذاتها خبر شرعي دون إغفال لغيرها من القراءت وما تقتضيه من حكم موافق لها أو مخالف، وهذا يسميه العلماء بالإعجاز التشريعي.

ونماذج ذلك عديدة في كتاب الله -سبحانه وتعالى- كقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: ١٢٥) قرئت تواترًا: {وَاتَّخِذُوا} بصيغة الأمر، وقرئت: "واتخَذوا" بصيغة الماضي، فعلى كلتا القراءتين كان الخلاف الفقهي بين العلماء في حكم الصلاة خلف مقام إبراهيم -عليه السلام- بعد الفراغ

<<  <   >  >>