وننتقل للحديث عن حرفي الاستفهام، وهما "الهمزةُ" و"هل":
الاستفهام كما تعلمون هو طلب الجواب؛ فالذي يستفهم يطلب جوابًا عن سؤاله، وهذا على حقيقته لا يقبل حمله على كلام الله -سبحانه وتعالى- ومن ثم يخرج الاستفهام عن حقيقته، إلى معان مجازية؛ اهتم أهل هذا الشأن ببيان معاني أداتي الاستفهام من الحروف، وهما "الهمزة" و"هل" وأفرد على سبيل المثال الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) فصلًا وتحدث فيه عن الهمزة، وكذلك اهتم أهل كتب المعاني ببيان معاني "الهمزة، وهل" في استخداماتها في كتاب الله سبحانه وتعالى.
فنبدأ في الكلام عن "الهمزة" لأنها أعمُّ في الاستفهام من "هل" فهي تقع مواقع الاستفهام كلها، بخلاف "هل" فيُستفهم بها عن الإيجاب، وعن النفي:{أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}(الأعراف: ٢٨){أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}(الحُجُرات: ١٢) وهذا في الموجب وأيضًا تستخدم مع النفي: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد}(الفجر: ٦){أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين}(التين: ٨){أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}(الزُّمَر: ٣٦){أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}(النور: ٢٢).
والاستفهام بـ"هل" لا يكون مع النفي، وإنما يكون مع الموجب، أما الهمزة تنفرد عن هل بهذه الميزة، وكذلك الهمزة تقع قبل الواو، قال تعالى:{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم}(البقرة: ١٠٠) وتقع قبل الفاء قال تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}(المُلك: ٢٢) أو ثم قال تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ}(يونس: ٥١).