الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ وبعد:
قضية الذكر والحذف، وهما ظاهرتان من ظواهر اللغة العربية، وظاهرتان من الظواهر التي اهتم العلماء ببيانها في مسألة النظم -التي سبق وأن تحدثنا عنها-.
قضية الذكر والحذف قضية بلاغية نحوية، اهتم بها علماء البلاغة واهتم بها علماء النحو، فهي قضية لغوية هامة. الحذف على سبيل المثال أعده سيبويه ضربًا من ضروب الاتساع في اللغة، وعده ابن جني بابًا من شجاعة العربية كما أطلق عليه. وكذلك اهتم أهل البلاغة بهاتين الظاهرتين، فتحدث عنهما الجرجاني وكذا طبَّقَ الزمخشري في كتابه (الكشاف) على هاتين الظاهرتين تطبيقًا عمليًّا، وكذلك المتأخرون من النحاة والبلاغيين كابن هشام والسكاكي، أسهبوا في بيان هذه الظواهر التي نتناولها ونتحدث عنها.
ومما يجدر أن ننبه عليه ابتداءً أن حَصْرَ أغراض الذكر أو الحذف ضربٌ من المستحيل؛ لماذا؟ لأن هذه الأغراض تتجدد بتجدد الخطاب، فغاية ما ننتهي إليه في درسنا هو ذكر أغراض تَنَبَّه لها مَن تنبه من أهل العلم، فذكروها في مصنفاتهم، وبعضها يؤخَذ في الاعتبار وبعضها يمكننا أن نرد عليه، فمعلوم ألا عصمة إلا لكتاب الله -سبحانه وتعالى-.
وكذلك أنبهك على أن الأغراض التي ذُكرت بعضها يعد ضربًا من التنظير والإعمال الذهني؛ لأنه لم يجد له العلماء مثالًا إلا أمثلةً مصطنعةً ذكروها -كما سأبين لك- وهي بعيدة عن روح النص وطبيعة الخطاب اللغوي الذي يتحدث به العرب في نظمهم؛ نثرًا كان أو شعرًا، فغاية ما ذكروه أمثلة مصطنعة كما ذكرت.