فلذلك نقول: إن القرآن استخدم ألفاظًا تكلمت بها العرب وأدخلتها في لغتها، وإن كانت في أصلها ليست من اللغة العربية، وقد ثقلتها العرب بألسنتها، وشذَّبتها، وربما تكون قد غيَّرت بعض حروفها، أو أسقطت بعضها، وإذا أدخلت العرب هذه الألفاظ استغنت بها غالبًا عن أن تضع ألفاظًا في معناها.
من هذه الكلمات المعربة التي استخدمها القرآن وهي قليلة في جملتها كي يعلم ذلك، كلمة "إبريق" في قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}(الواقعة: ١٧، ١٨) وكلمة "استبرق" و"زنجبيلَا" و"سندس" و"سلسبيلَا" قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}(الإنسان: ١٧ - ٢١).
انظر -رحمك الله- إلى استخدام هذه الألفاظ وسط سياقها وتناسبها مع أخواتها، فهي من كلام العرب الذي يعرفونه تمامَ المعرفة. كذلك كلمة "كافور" في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا}(الإنسان: ٥) وكلمة "الفردوس" في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}(الكهف: ١٠٧) وكلمة "التنور" في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}(هود: ٤٠) وكذلك "دينار" في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}(آل عمران: ٧٥).