المقتضى التام، أو سلبهم القدرة المعتادة في مثله سلبًا عامًّا مثل قوله تعالى لزكريا -عليه السلام:{آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}(مريم: ١٠)، فإن زكريا -عليه السلام- لم يكن مريضًا ولا به علة تمنعه من الكلام، إلا أن الله -سبحانه وتعالى- جعل عدم كلامه آية وعلامة على البشارة التي بُشر بها -عليه السلام، وهذا الذي ذكره في معنى الصرفة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله.
طبعًا هذا القول الذي قيل من أن الله -سبحانه وتعالى- صرفهم عن أن يقولوا مثل القرآن مع إمكانيتهم أن يقولوا مثله- هذا القول باطل فاسد مردود من وجوه عدة:
اتفق أهل العلم على رفض هذا القول، وأسهبوا في بيان بطلانه، واحتجوا لذلك بأدلة منها:
أولًا: لو كانت المسألة بالصرف والمنع لم يكن هناك داعٍ لأن يكون القرآن على هذا النظام العجيب، وأن يظهر فيه من الفصاحة هذا النصيب العالي، بل يظفر من الفصاحة بأوفى نصيب.
ثانيًا: أنهم لو كانوا مصروفين لم يكن من قبلهم من العرب مصروفين؛ لأنهم لم يُتحدوا به، ولم نعثر في تراث العرب على ما يُشابه القرآن.
ثالثًا: أنه لو كانت المعارضة ممكنة لولا الصرف لما كان القرآن معجزًا؛ لكون الإعجاز في المنع، ليس في القرآن؛ فإذًا لا يتضمن القرآن في نفسه فضيلة على غيره، ولا أمكن من جاء بعد زمن التحدي معارضته.
رابعًا: لو كان الإعجاز بالصرفة لما استعظم العرب بلاغة القرآن وتعجبوا من حسن فصاحته، كما أُثر عن الوليد ابن المغيرة وقصته المشهورة عند سماعه