أن النظام ذكر مع الصرفة الإخبار بالغيب، فبذلك يكون القرآن معجزًا بأمرين -لا بالصرفة فحسب- وهذا يؤكد أن النظام يدرك أن نظم القرآن متفرد في معانيه، وأن الصرفة وحدها ليست هي سر الإعجاز، ومنها أنه أراد أن يسد باب الشبهة وأن يحسم الأمر مرة واحدة في وجه أهل الزيغ الذين يثيرون ما ينقد حجة النبوة، ولم يشأ أن يجادلهم في أمر النظم؛ لأنهم لا ذوق لهم وهم أهل عناد، كما قال الله -سبحانه وتعالى- في أسلافهم:{وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}(الأعراف: ١٤٦).
واستأنس شيخنا بقول ابن كثير -رحمه الله- عن الصرفة بأنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق، مع أنها غير مُرضية، ونص على أن القول بالصرفة بالفهم المذكور ليس قادحًا في الدين بل هو آية صدق النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
شيخنا أبو موسى استدل بأن الفهم الحسن للصرفة هو فهم الخطابي، وذكر أنه فهم جيد وأنه عرض جيد للصرفة.
قال الخطابي: ولو كان الله -عز وجل- بعث نبيّا في زمن النبوات، وجعل معجزته في تحريك يده أو مدّ رجله في وقت قعوده بين ظهراني قومه ثم قيل له: ما آيتك؟ فقال: آيتي أن أحرك يدي أو أمد رجلي، ولا يمكن أحد أن يفعل مثل فعلي، والقوم أصحاء الأبدان لا آفة بشيء من جوارحهم، فحرك يده أو مد رجله، فراموا أن يفعلوا مثل فعله، فلم يقدروا عليه- كان ذلك آية دالة على صدقه، وليس يُنظر في المعجزة إلى عظم حجم ما يأتي به النبي ولا إلى فخامة منظره، وإنما تُعتبر صحتها بأن تكون أمرًا خارقًا عن مجال العادات ناقضًا لها.