الضرب الثاني: هو التوكيد المعنوي؛ قلنا بألفاظ معينة كما في قوله تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}(ص: ٧٣) وفائدة هذا اللون من التوكيد رفع ما يُتوهم من عدم الشمول، فإن كلمة:{كُلُّهُمْ} أفادت ذلك أن الملائكة جميعًا قد سجدوا، وكلمة:{أَجْمَعُونَ} أفادت اجتماعهم على السجود وأنهم لم يسجدوا متفرقين. فهذا مما استخدم في القرآن وأطلق عليه توكيد، وهو يتفق مع النحاة في توجيهه.
أهم صورة من صور التوكيد، أو مقصد البلاغيين الأساسي في مسألة التوكيد: وهو التوكيد باستخدام أداة من أدوات التوكيد، أو وسيلة من وسائله؛ لأن هذه النقطة هي المحور الأساسي الذي يدور حوله درسنا، والذي يهمنا في هذا الباب عندما نتأمل النظم القرآني في استخدام أساليب بأدوات معينة، هذه الأدوات تؤدي معنى التأكيد الذي يريده المولى -سبحانه وتعالى. فمن ذلك: إنَّ وأنَّ، وإنما، ولام الابتداء، والقسم، وألا الاستفتاحية، وهاء التنبيه، وكأنَّ لتأكيد التشبيه، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وقد، والسين، وسوف، ونونا التوكيد الثقيلة والخفيفة، ودخول الأحرف الزائدة. كل ذلك من الأدوات ومن الأساليب التي تؤدي إلى معنى التأكيد، وبَانَ فيها الإعجاز القرآني.
من أهم الصور التي اهتم البلاغيون ببيانها هو التأكيد بإنَّ وأنَّ، وهما يؤكدان الجملة الاسمية، والفرق بينهما بإيجاز بسيط: أن إنَّ تكون في بداية الكلام، أو فيما يصلح الابتداء به، وأنَّ تكون وسط الكلام حيث يصح إحلال مصدر محلها، أو إحلال مفرد محلها. فإنَّ وأنَّ اهتم عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) ببيان دورها في التأكيد، فتدخل إنَّ في الكلام، ففضلًا عن تأكيدها لمعنى الجملة تربط ما بعدها