وكذلك تستخدم إنَّ في التأكيد في مسائل الحوار والجدل، بأن يطلق سؤال ويراد إجابته، فتأتي الإجابة بالتأكيد بإنَّ؛ لإقراره في نفس السائل والمجادل، وتثبيته في قلبهما، فتقع الجملة جوابًا في المواضع التي تجيء فيها إنَّ، كقوله -سبحانه وتعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ}(الكهف: ٨٣، ٨٤)، وقوله سبحانه:{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}(الشعراء: ٢١٦)، {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}(غافر: ٦٦)، فإن كان الكلام جوابَ منكرٍ حُشِد له أكثر من أداة واحدة للتوكيد.
وكذلك إنَّ تستخدم للدلالة على أن المتكلم كان يظن أمرًا فحدث خلافه، فيأتي بهذا التوكيد؛ ليرد على نفسه ظنَّه، وكأنه يريد لهذه النفس أن يستقر فيها هذا النبأ الجديد الذي لم تكن تتوقعه، بل تتوقع سواه، وكأنها تريد أن تخلي مكانًا من القلب قد شغل بخاطر لتحل فيه خاطرًا جديدًا. وتأمل قوله تعالى حكايةً عن أم مريم:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}(آل عمران: ٣٦)، فأم مريم -عليها السلام- كان الأمل يملأ قلبها في أن تلد ذكرًا نذرته لله، ولطول ما شغلها هذا الأمل تجسم في خيالها، حتى صار كأنه حقيقة واقعة، فلما وضعت مريم، فوجئت، فأرادت أن تقر هذا الأمر الجديد في قلبها؛ حتى تروض نفسها عليه، وتستسلم لما كان. وانظر أيضًا قوله سبحانه في حكاية نوح -عليه السلام:{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}(الشعراء: ١١٧)، فلم يكن نوح يتوقع أن يكذبه قومه وقد جاءهم من ربهم بالنور والهدى، فكان تكذيبهم صدمة له يريد أن يوطن عليها نفسه. وختامًا يذكر أن من خواص التوكيد بإنَّ أنه أقوى من التوكيد باللام.