{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ}(القصص: ٤٤) غير ذلك من الآيات كثيرة كثيرة توضح هذه المسألة، فجعل الإخبار عن الغيب الماضي علامة على إعجاز القرآن.
الجزئية الثانية: الإخبار عن الغيبيات المستقبلة، الإخبار عن المستقبل هذا كثير في القرآن الكريم، نبدأ بوقعة كان أهل الشرك وأهل العناد والمعاندة لرسولنا -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- كانوا يستطيعون من خلال هذه الواقعة ومن خلال هذه الآية أن ينقدوا الإسلام نقدا، وأن يكذبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- كذبًا، ولكنهم لم يفعلوا ذلك؛ لأن ذلك نبأ مستقبل أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم.
تتساءل أيها الابن الحبيب: ما هذه الآية أو ما هذا الأمر؟ هو أمر أبي لهب؛ عم النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- فأبو لهب هذا كان حيّا يعيش في مكة ويسمع أنه من الهالكين، ويسمع أن امرأته هالكة معه، ومع ذلك لم يفكر أبو لهب ولا زوجه أن يُكذّبوا النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- بمعنى: أنهم لو لم يكن ذلك إعجازًا ووحيًا من الله -سبحانه وتعالى- وأن ذلك أمر الله -سبحانه وتعالى- كان يمكن هذا الكافر اللعين أن يقول: آمنت بمحمد، فيكذّب خبر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في قوله:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}(المسد: ١ - ٣) فكيف يكون أمن وسيكون سيصلى نارًا ذات لهب؟! ولكن هذا اللعين لم يفعل ذلك، ودل ذلك على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن شيء مستقبل وغيب لم يحدث بعد، وهو أنه سيصلى نارًا ذات لهب وأن امرأته كذلك هالكة خاسرة، ومع ذلك لم يكذبا ولم يفعلا ما يناقض كلام النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فكان ذلك إعجازًا.