النفاق أساس الشر، وهو أن يظهر الخير، ويبطن الشر. هذا الحد يدخل فيه النفاق الأكبر الاعتقادي، الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر، وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار.
وقد وصف الله هؤلاء المنافقين بصفات الشر كلها: من الكفر، وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية إلى أعداء الدين، لمشاركتهم لهم في عداوة دين الإسلام. وهم موجودون في كل زمان، ولا سيما في هذا الزمان الذي طغت فيه المادية والإلحاد والإباحية.
والمقصود هنا: القسم الثاني من النفاق الذي ذكر في هذا الحديث، فهذا النفاق العملي - وإن كان لا يخرج من الدين بالكلية - فإنه دهليز الكفر، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، فإن الصدق، والقيام بالأمانات، والوفاء بالعهود، والورع عن حقوق الخلق هي جماع الخير، ومن أخص أوصاف المؤمنين. فمن فقد واحدة منها، فقد هدم فرضا من فروض الإسلام والإيمان، فكيف بجميعها؟
فالكذب في الحديث يشمل الحديث عن الله والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[الصف: ٧]
ويشمل الحديث عما يخبر به من الوقائع الكلية والجزئية. فمن كان هذا شأنه فقد شارك المنافقين في أخص صفاتهم، وهي
(١) زاد في الخصومة على حد الشرع، فلم يكتف بمقابلة السيئة بمثلها على سبيل المثال.