الثاني: أن يفهم ما بين الخصمين من الخصومة، ويتصورها تصورا تاما، ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته، ويشرح قضيته شرحا تاما. ثم إذا تحقق ذلك وأحاط به علما، احتاج إلى الأمر الثالث:
وهو صفة تطبيقها وإدخالها في الأحكام الشرعية، فمتى وفق لهذه الأمور الثلاثة، وقصد العدل، وفق له، وهدي إليه. ومتى فاته واحد منها، حصل الغلط، واختل الحكم. والله أعلم.
[حديث كل واشرب والبس وتصدق من غير سرف ولا مخيلة]
الحديث الرابع والتسعون عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كل واشرب، والبس وتصدق، من غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود، وعلقه البخاري.
هذا الحديث مشتمل على استعمال المال في الأمور النافعة في الدين والدنيا، وتجنب الأمور الضارة. وذلك أن الله تعالى جعل المال قواما للعباد، به تقوم أحوالهم الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية. وقد أرشد الله ورسوله فيه - استخراجا واستعمالا، وتدبيرا وتصريفا - إلى أحسن الطرق وأنفعها، وأحسنها عاقبة: حالا ومآلا.
أرشد فيه إلى السعي في تحصيله بالأسباب المباحة والنافعة، وأن يكون الطلب جميلا، ولا كسل معه ولا فتور، ولا انهماك في تحصيله انهماكا يخل بحالة الإنسان، وأن يتجنب من المكاسب المحرمة والرديئة، ثم إذا تحصل سعى الإنسان في حفظه واستعماله بالمعروف، بالأكل والشرب واللباس،