ثم بعد هذين الاثنين: تكون الغبطة على الخير، بحسب حاله ودرجاته عند الله. ولهذا أمر الله تعالى بالفرح والاستبشار بحصول هذا الخير، وإنه لا يوفق لذلك إلا أهل الحظوظ العظيمة العالية. قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: ٥٨] وقال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت: ٣٤ - ٣٥]
وقد يكون من تمنى شيئا من هذه الخيرات، له مثل أجر الفاعل إذا صدقت نيته، وصمم من عزيمته أن لو قدر على ذلك العمل، لعمل مثله، كما ثبت بذلك الحديث. وخصوصا إذا شرع وسعى بعض السعي.
وأما الغبطة التي هي غير محمودة، فهي تمني حصول مطالب الدنيا لأجل اللذات، وتناول الشهوات، كما قال الله تعالى حكاية عن قوم قارون:{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[القصص: ٧٩] فإن تمني مثل حالة من يعمل السيئات فهو بنيته، ووزرهما سواء.
فبهذا التفصيل يتضح الحسد المذموم في كل حال. والحسد الذي هو الغبطة، الذي يحمد في حال، ويذم في حال. والله أعلم.
الحديث التاسع والثمانون عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو، فَيَقُولُ: اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى والتقى، والعفاف والغنى» رواه مسلم.