للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤديها، وإلى صبر عن معصية الله حتى يتركها لله، وإلى صبر على أقدار الله المؤلمة، فلا يتسخطها، بل إلى صبر على نعم الله ومحبوبات النفس، فلا يدع النفس تمرح وتفرح الفرح المذموم، بل يشتغل بشكر الله، فهو في كل أحواله يحتاج إلى الصبر وبالصبر ينال الفلاح، ولهذا ذكر الله أهل الجنة فقال: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: ٢٣ - ٢٤] وكذلك قوله: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: ٧٥]

فهم نالوا الجنة بنعيمها، وأدركوا المنازل بالصبر، ولكن العبد يسأل الله العافية من الابتلاء الذي لا يدري ما عاقبته، ثم إذا ورد عليه فوظيفته الصبر. فالعافية هي المطلوبة بالأصالة في أمور الابتلاء والامتحان، والصبر يؤمر به عند وجود أسبابه ومتعلقاته، والله هو المعين.

وقد وعد الله الصابرين في كتابه وعلى لسان رسوله أمورا عالية جليلة، وعدهم بالإعانة في كل أمورهم. وأنه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد، وأنه يحبهم ويثبت قلوبهم وأقدامهم، ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة، ويسهل لهم الطاعات، ويحفظهم من المخالفات، ويتفضل عليهم بالصلوات والرحمة والبداية عند المصيبات، والله يرفعهم إلى أعلى المقامات في الدنيا والآخرة، وعدهم النصر، وأن ييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى، ووعدهم بالسعادة والفلاح والنجاح، وأن يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأن يخلف عليهم في الدنيا أكثر مما أخذ منهم من محبوباتهم، وأحسن، يعوضهم عن وقوع المكروهات عوضا عاجلا يقابل أضعاف أضعاف ما وقع عليهم من كريهة ومصيبة وهو في ابتدائه صعب شديد وفي انتهائه سهل حميد العواقب، كما قيل:

والصبر مثل اسمه مر مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل

<<  <   >  >>