الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ تسليما كثيرا.
أما بعد، فقد كنت كتبت كتابا في تفسير القرآن مبسوطا مطولا، يمنع القراء من الاستمرار بقراءته، ويفتر العزم عن نشره، فأشار علي بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتابا غير مطول، يحتوي على خلاصة ذلك التفسير، ونقتصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده، فاستعنت الله على العمل على هذا الرأي الميمون، لأمور كثيرة منها: أنه بذلك يكون متيسرا على المشتغلين، معينا للقارئين، ومنها: أن القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب، لأنه بلغ في البلاغة نهايتها، وفي الحسن غايته، وفي الأسلوب البديع، والتأثير العجيب ما هو أكبر الأدلة على أنه كلام الله، وتنزيل من حكيم حميد، فتجده في آية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد، وبين الدليل والمدلول، وبين الترغيب والترهيب، وبين العلوم الأصولية والفروعية، وبين العلوم الدينية والدنيوية والأخروية، وبين الأغراض المتعددة والمقاصد النافعة، ويعيد المعاني النافعة على العباد، ليتم علمهم، وتكمل هدايتهم، ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم، علما وعملا.