﴿يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] أي: يسرعون فيها غير مكترثين، ولا حاجز يحجزهم، فلفظة " من كل حدب " تشمل جميع المواضع والأقطار: سهلها وصعبها، منخفضها ومرتفعها، وإنما نص الله على المرتفعات لأن السهول والأماكن المنخفضة من باب أولى وأحرى.
وقد ورد في صفاتهم أحاديث في الصحيحين تؤيد ما في هذه الآيات من صفاتهم، وأورد أصحاب السير والتواريخ الأول من صفاتهم وهيئاتهم آثارا لا خطام لها ولا زمام، شوشت أفكار أكثر الناس، ومنعتهم من الاستدلال بالآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية، وتطبيقها على الواقع، فعليك بلزوم ما دل عليه الكتاب والسنة، ودع ما سوى ذلك؛ فإن فيه الهدى والرشد والنور.
[قصة عيسى وأمه، وزكريا ويحيى ﵈]
كانت زوجة عمران - وهو من أكابر بني إسرائيل ورؤسائهم وذوي المقامات العالية عندهم - نذرت حين ظهر حملها أن تحرر ما في بطنها لبيت المقدس، يكون خادما لبيت الله، مُعَدًّا لعبادة الله، ظنا أن الذي في بطنها ذكر، فلما وضعتها قالت معتذرة إلى الله شاكية إليه الحال:
﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: ٣٦] أي أن الذكر الذي له القوة والقدرة على ما يراد منه من القيام بخدمة بيت المقدس، ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [آل عمران: ٣٦]
فحصنتها بالله من عدوها هي وذريتها، وكان هذا أول حفظ وحماية من الله