وأما إذا منعها من تزوج من ليس كفئا لها في دينه أو غيره من الصفات المعتبرة شرعا فهو محسن، لأن منعها عما فيه ضررها إحسان عليها، وهذا أحد الأسباب في اعتبار الولي للمرأة في النكاح، وفي قوله في الرجعة: ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وفي التراجع ﴿إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ﴾ [البقرة: ٢٣٠] اعتبار هذا الشرط في الرجعة والتراجع، وإلا فلا يراجع، ولا يتراجعا للضرار وللبقاء على غير ما يحبه الله، وفي هذا أن الأفعال مبنية على مقاصدها، وأن الأمر الذي يقصد فيه الخير والصلاح لا بد أن يجعل الله فيه بركة، كما أن الذي يقصد به غير ذلك ولو مكن منه العبد فإنه ضرر حاضر، ويخشى أن تكون عواقبه ذميمة.
ويستفاد من هذا معنى كلي نافع، وهو أنه ينبغي للعبد إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور مثل الأمور التي يترتب عليها حقوق كثيرة، ومثل الولايات الكبار والصغار والأمور المهمة أن يتأنى وينظر في نفسه وعاقبة أمره، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك، ووثق بقيامه بما فيها من الحقوق تقدم إليها متوكلا على الله، وإلا أحجم واغتنم السلامة عن الدخول في الأمور الخطرة، وأمر تعالى الأزواج أن يمسكوا زوجاتهم بمعروف أو يسرحوهن بمعروف، فإن أمسكها أمسكها بعشرة حسنة، وإن فارقها فليكن على وجه الشرع بطمأنينة من غير مغاضبة ولا مشاتمة ولا عداوات تقع بينه وبينها، أو بينه وبين أهلها.
ومن التسريح بالمعروف أن يعطيها شيئا من المال تتمتع به وينجبر به خاطرها، وتذهب عن زوجها شاكرة، ولا يكون لهذا الفراق على هذا الوجه إلا العواقب الطيبة للطرفين.