عنهم محظورات الإحرام، وما ترتب عليها من الشعث ونحوه ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] التي أوجبوها على أنفسهم من الحج والعمرة والهدايا، فنفس عقد العبد للإحرام إيجاب منه على نفسه، ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] أي: القديم أقدم المساجد على الإطلاق، المعتق من تسلط الجبابرة عليه، وتخصيص الطواف به دون غيره من المناسك لفضله وشرفه، ولكونه المقصود وما قبله وما بعده وسائل وتوابع، ولأنه يتعبد به لله مع الأنساك ووحده، وأما بقية الأنساك فلا تكون عبادة إلا إذا كانت تابعة لنسك.
كان المسلمون في أول الأمر مأمورين بكف الأيدي عن قتال الكفار، وإنما جهادهم بالدعوة لحكمة ظاهرة، فلما اضطهدوا واضطرهم الأعداء إلى ترك بلادهم وأوطانهم، وقتلوا من قتلوا، وحبسوا من حبسوا، وجدوا في العداوة البليغة بكل طريق، وهاجر المسلمون بسبب ذلك إلى المدينة، وقواهم الله على قتال الأعداء، وقد رماهم الأعداء عن قوس واحدة، فحينئذ أذن الله لهم في القتال، ولهذا قال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] لمنعهم من دينهم، وإخراجهم من ديارهم، ومطاردتهم لهم في كل مكان، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] وهذا مع أمره لهم بفعل الأسباب، ومقاومة الأعداء بكل مستطاع أمر لهم بالتوكل عليه، واستنصاره، والطلب منه.