كان أيوب من أنبياء بني إسرائيل، ومن الأصفياء الكرام، وقد ذكره الله في كتابه، وأثنى عليه بالخصال الحميدة عموما، وبالصبر على البلاء خصوصا؛ فإن الله تعالى ابتلاه بولده وأهله وماله، ثم بجسده، فأصابه من البلاء ما لم يصب أحدا من الخلق، فصبر لأمر الله ولم يزل منيبا لله.
ولما تطاول به المرض العظيم، ونسيه الصاحب والحميم نادى ربه: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٣]
فقيل له: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: ٤٢]
فركض، فنبعت بركضته عين ماء بارد، فقيل له: اشرب منها واغتسل، ففعل ذلك، فأذهب الله ما في باطنه وظاهره من البلاء، ثم أعاد الله له أهله وماله، وأعطاه من النعم والخيرات شيئا كثيرا، وصار بهذا الصبر قدوة للصابرين، وسلوة للمبتلين، وعبرة للمعتبرين، وكان في مرضه قد وجد على زوجته المرأة البارة الرحيمة في بعض شيء، فحلف أن يجلدها مائة جلدة، فخفف الله عنه وعنها، وقيل له: خذ بيدك ضغثا حزمة حشيش أو علف أو شماريخ أو نحوها فيها مائة عود فاضرب به ولا تحنث، أي: ينحل بذلك يمينك، وفي هذا دليل على أن كفارة اليمين لم تشرع لأحد من قبل شريعتنا، وأن اليمين عندهم بمنزلة النذر الذي لا بد من وفائه، وفي هذا دليل على أن من لا يحتمل إقامة الحد عليه لضعفه ونحوه أنه يقام عليه مسمى ذلك؛ لأن الغرض التنكيل ليس الإتلاف والإهلاك.