وفي هذه الآية الحث على الاختيار قبل الخطبة، وأنه ينبغي أن لا يتزوج إلا الجامعة للصفات المقصودة بالنكاح، فإن النكاح يقصد لأمور كثيرة من أهمها كفاءة البيت والعائلة وحسن التدبير وحسن التربية، وأهم صفة هذا النوع الدين والعقل.
ويقصد به إحصان الفرج، والسرور في الحياة، وعمدة هذا حسن الأخلاق الظاهرة، وحسن الخلائق الباطنة.
ويقصد به نجابة الأولاد وشرفهم، وأساسه الحسب والنسب الرفيع، ولهذا أباح الشارع بل أمر بالنظر لمن يخطبها؛ ليكون على بصيرة من أمره.
﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] أي: من أحب أن يتزوج اثنتين فليفعل، أو ثلاثا أو أربعا فليفعل، ولا يزيد على الأربع؛ لأن الآية سيقت للامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله إجماعا، وذلك أن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، أو لا يحصل مقصوده أو مقاصده بها، كما تقدم أن النكاح له عدة مقاصد، فلهذا أباح الله له هذا العدد؛ لأن في الأربع غنية لكل أحد إلا ما ندر، ومع هذا فإذا خاف من نفسه الجور والظلم بالزيادة على الواحدة فليقتصر على الواحدة، أو على ملك يمينه التي لا يجب عليه لها قسم كالزوجات، ذَلِكَ أي: الاقتصار على واحدة من الزوجات، أو ما ملكت اليمين، أدنى أن لا تعولوا أي: تظلموا وتجوروا.
ويستفاد من هذا المعنى أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم وعدم القيام بالواجب - ولو كان مباحا - لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد، ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن، وخصوصا الصداق