ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، وأنه لا يليق بربوبيته وحكمته أن يتركهم سدى، لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون.
ويفهم من الآية الكريمة الفرق بين الأنبياء الصادقين، وبين من يدعي النبوة من الكاذبين؛ فإن الأنبياء يصدق بعضهم بعضا، ويشهد بعضهم لبعض، ويكون كل ما جاءوا به متفقا لا يتناقض، لأنه من عند الله، محكم منتظم، وأما الكذبة فإنهم لا بد أن يتناقضوا في أخبارهم وأوامرهم ونواهيهم، ويعلم كذبهم بمخالفته لما يدعو إليه الأنبياء الصادقون.
فلما بين تعالى جميع ما يجب الإيمان به، عموما وخصوصا، وكان القول لا يغني عن العمل، قال: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٨٤] أي: خاضعون لعظمته، منقادون لعبادته بباطننا وظاهرنا، مخلصون له بذلك؛ فإن تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر.
فهذه الأصول المذكورة في هذه الآية قد أمر الله بها في كتابه في عدة آيات من القرآن إجمالا وتفصيلا، وأثنى على القائمين بها، وأخبر بما يترتب عليها من الخير والثواب؛ وأنها تكمل العبد وترقيه في عقائده وأخلاقه وآدابه، وتجعله عدلا معتبرا في معاملاته، وتوجب له خير الدنيا والآخرة، ويحيا بها الحياة الطيبة في الدارين، وتجلب له السعادتين، وتدفع عنه شرور الدنيا والآخرة، وقد أخبر في هذه السورة أن الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الأصول علما وتصديقا وإقرارا، وعملا ودعوة وهداية وإرشادا، فكتب أهل العلم المصنفة في العقائد كلها تفصيل لما في هذه الآية الكريمة.