للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني للبشر، تسليما.

* يستفاد من هذه القصة أمور:

منها: أن جميع الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم متفقون على الدعوة إلى التوحيد الخالص، والنهي عن الشرك، فنوح وغيره أول ما يقولون لقومهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] ويكررون هذا الأصل بطرق كثيرة.

ومنها: آداب الدعوة وتمامها، فإن نوحا دعا قومه ليلا ونهارا، وسرا وجهارا. . بكل وقت وبكل حالة يظن فيها نجاح الدعوة، وأنه رغبهم بالثواب العاجل بالسلامة من العقاب، وبالتمتيع بالأموال والبنين، وإدرار الأرزاق إذا آمنوا وبالثواب الآجل؛ وحذرهم من ضد ذلك، وصبر على هذا صبرا عظيما كغيره من الرسل، وخاطبهم بالكلام الرقيق والشفقة، وبكل لفظ جاذب للقلوب محصل للمطلوب، وأقام الآيات، وبيَّن البراهين.

ومنها: أن الشُّبَه التي قدح فيها أعداء الرسل برسالتهم من الأدلة على إبطال قول المكذبين، فإن الأقوال التي قالوها، ولم يكن عندهم غيرها، ليس لها حظ من العلم والحقيقة عند كل عاقل، فقول قوم نوح: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: ٢٧] تأمل جملها تجدها تمويهات دالة على أنهم مبطلون مكابرون للحقيقة، فقولهم: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ [هود: ٢٧] فهل في كون الحق جاء على يد بشر شيء من الشبهة تدل على أنه ليس بحق؟ ومضمون هذا الكلام أن كل قول قاله البشر من أي

<<  <   >  >>