للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حسن نظامه وحزمه أنه يتفقد الجنود بنفسه، مع أنه قد جعل لهم مدبرين، فإن قوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣] دليل على ذلك، حتى أنه تفقد الطيور لينظر هل هي لازمة لمراكزها، فقال: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل: ٢٠]

وليس الأمر كما يقول كثير من المفسرين أنه طلبه لينظر له الأرض وبعد مائها، فإن هذا خلاف اللفظ القرآني، فإن الله لم يقل وطلب الهدهد، بل وقال: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ [النمل: ٢٠]

ثم توعده لمخالفته لأمره، ولما كان ملكه مبنيا على كمال العدل استثنى فقال:

﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ - فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ - إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ - وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ - أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ - اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: ٢١ - ٢٦]

ففي هذه المدة القصيرة جاء الهدهد بهذه المعلومات العظيمة، أخبر سليمان عن ملك الديار اليمانية، وأن ملكتهم امرأة، وأنها قد أُعطيت من كل شيء يحتاج الملك إليه، وأن لها عرشا عظيما، ومع فهمه لملكهم وقوتهم فهم أيضا دينهم، وأنهم مشركون يعبدون الشمس، وأنكر الهدهد عليهم غاية الإنكار.

<<  <   >  >>