ومنها: أن المعلم إذا رأى من المصلحة أن يخبر المتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن التدقيق الشديد أو الأسئلة التي لا تتعلق بالموضوع، ومنها: جواز ركوب البحر إذا لم يكن في ذلك خطر.
ومنها: أن الناسي غير مؤاخذ، لا في حق الله ولا في حق العباد، إلا إن ترتب على ذلك إتلاف مال، ففيه الضمان حتى على الناسي لقوله: ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٣]
ومنها: أنه ينبغي للعبد أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم أو يرهقهم، فإن هذا داع إلى النفور، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر.
ومنها: أن الأمور تجري على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية في كل شيء، فإن موسى ﵇ أنكر على الخضر خرق السفينة، وقتل الغلام بحسب أحكامها العامة، ولم يلتفت إلى الأصل الذي أصَّلاه، هو والخضر، أنه لا يسأله ولا يعترض عليه حتى يكون الخضر هو المبتدئ.
ومنها: فيه تنبيه على القاعدة المشهورة الكبيرة، وهو أنه يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الخفيف، ويراعى أكبر المصلحتين بتفويت أدناهما؛ فإن قتل الغلام الصغير شر، ولكن بقاءه حتى يبلغ ويفتن أبويه عن دينهما أعظم شرا، وبقاء الغلام من دون قتل وإن كان في ظاهر الحال أنه خير، فالخير ببقاء أبويه على دينهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر بعدما ألهمه الله الحقيقة، فكان إلهامه الباطني بمنزلة البينات الظاهرة في حق غيره.