الله أورثهم الجنة يتبوءون من خيراتها حيث يشاءون وأنى يشاءون مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من نعيم القلوب والأرواح، ومن نعيم الأبدان والأجسام: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ - مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ - يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ - بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ - لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ - وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ - وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ - وَحُورٌ عِينٌ - كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ [الواقعة: ١٥ - ٢٣] خيرات الأخلاق، حسان الوجوه، قد جمع الله لهن حسن البواطن والظواهر، فهن سرور النفس، وقرة النواظر.
وتمام ذلك أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا، وأنه يقال لهم:(إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا)، فلهم كل ما يشاءون فيها وتتعلق به أمانيهم، ولهم فوق ذلك مما لم تبلغه أمانيهم، ولهم نعيم أعلى من ذلك كله، وهو التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، وسماع خطابه، والابتهاج برضاه وقربه، والسرور بمحبته، وذكره وحمده، والثناء عليه وشكره، مما يشاهدون من كثرة الخيرات، وسوابغ النعم والهبات، وزيادة النعيم وتواصله، ومما يزدادون من معرفته والأنس به، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام.
وأما الكافرون المجرمون: فيحاسبهم الله على ما أسلفوه من الجرائم، ويقرعهم ويخزيهم بين الخلائق، ويعطون كتبهم من وراء ظهورهم بشمائلهم، وتسود منهم الوجوه، وتخف موازينهم، ويساقون إلى جهنم جياعا عطاشا منزعجين مرعوبين زمرا، كل طائفة تحشر مع نظيرها من أهل الشر: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: ٧١] في وجوههم، ففاجأهم حرها المفظع، وحل بهم