جنس عملهم فقال: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ﴾ [الفرقان: ٧٥] أي: المنازل العالية الرفيعة الجامعة لكل نعيم روحي وبدني بسبب صبرهم على القيام بهذه الأعمال الجليلة، ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾ [الفرقان: ٧٥] من ربهم، ومن الملائكة الكرام، ومن بعضهم على بعض، ويسلمون من جميع المنغضات والمكدرات.
والحاصل أن الله وصفهم بالوقار والسكينة، والتواضع له ولعباده، وحسن الأدب، والحلم وسعة الخلق، والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار، والتضرع لربهم أن ينجيهم منها، وأنهم يخرجون الواجبات والمستحبات في النفقات على وجه الاقتصاد، وإذا كانوا مقتصدين في النفقات التي جرت عادة أكثر الخلق بالتفريط فيها أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيرها من باب أولى، ووصفهم بالسلامة من كبائر الذنوب وفواحشها، وبالتوبة مما يصدر منهم منها.
ومنها الإخلاص لله في عبادته؛ وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية، ولا يفعلونها؛ وأنهم يتنزهون عن اللغو والأقوال الرديئة التي لا خير فيها ولا نفع، وذلك يستلزم كمال إنسانيتهم ومروءتهم، وكمالهم ورفعة نفوسهم عن كل أمر رذيل، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها، والتفهم لمعانيها، والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون ربهم بأكمل دعاء ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم، وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم، ووعظهم ونصحهم، لأن من حرص على شيء ودعا الله في حصوله لا بد أن يكون مجتهدا في تحصيله بكل طريق؛ مستعينا بربه في تسهيل ذلك، وأنهم دعوا الله في حصول أعلى الدرجات الممكنة لهم، وهي درجة الإمامة والصديقية.