هذه الآيات جمع الله فيها أحكام طهارة الماء وطهارة التيمم، والتنبيه على شروطهما، وبيان كيفياتهما، وذكر فوائد ذلك، وثمراته الطيبة، فبين فيها الأحكام وحكمها وأسرارها، وهي أحكام كثيرة تستفاد من هذا الموضع.
منها: أن الطهارة من الحدثين شرط لصحة الصلاة؛ لقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦] إلخ، ومنها: أن ذلك عام للفرائض من الصلوات والنوافل، فكل ما يسمى صلاة فلا بد فيه من هذه الطهارة.
ومنها: اشتراط النية للطهارة؛ لقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] أي: لأجل الصلاة، فإن المتطهر إما أن ينوي رفع ما عليه من الأحداث، أو ينوي الصلاة ونحوها مما يحتاج إلى الطهارة، أو ينويهما.
ومنها: أن غسل هذه الأعضاء لا بد منه في الحدث الأصغر، فحد الوجه ما يدخل في مسماه، وما تحصل به المواجهة، وذلك من الأذن إلى الأذن عرضا، ومن منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا مع مسترسل اللحية، لأن هذا هو الذي تحصل به المواجهة، وأما اليدان فقد حدهما الله إلى المرفقين، فقال العلماء: إن (إِلَى) بمعنى مع المرفقين، وأيدوا هذا بأن النبي ﷺ أدار الماء على مرفقيه، وكذلك يقال في الرجلين إلى الكعبين، وأما الرأس فإنه يتعين استيعاب مسحه، فإن الله أمر بمسحه، والباء للإلصاق الذي يقتضي إلصاق المسح بهذا الممسوح، وليست للتبعيض.
ومنها: أن الترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة شرط، لأن الله رتبها، وأدخل عضوا ممسوحا بين الأعضاء المغسولة، ولا يعلم لهذا فائدة سوى الترتيب وعموم قوله ﷺ:«ابدأ بما بدأ الله به»، فهو وإن كان واردا في الحج فإنه يعم