يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة، والمبادرة إليها من حين ينادى لها؛ والمراد بالسعي هنا: الاهتمام بها وعدم الاشتغال بغيرها، لا المراد به العدو الذي نهى عنه النبي ﷺ عند المضي إلى الصلاة، فالمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار هو المراد بالسعي هنا ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩] أي: اتركوه في هذه الحالة التي أمرتم بالمضي فيها إلى الصلاة؛ وإذا أمر بترك البيع الذي ترغب فيه النفوس، وتحرص عليه، فترك غيره من الشواغل من باب أولى، كالصناعات وغيرها.
﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: ٩] حقائق الأمور وثمراتها، وذلك الخير هو امتثال أمر الله ورسوله، والاشتغال بهذه الفريضة، التي هي من أهم الفرائض، واكتساب خيرها وثوابها، وما رتب الشارع على السعي لها، والمبادرة والتقدم والوسائل، والمتممات لها من الخير والثواب، ولما في ذلك من اكتساب الفضائل، واجتناب الرذائل، فإن من أرذل الخصال الحرص والجشع الذي يحمل العبد على تقديم الكسب الدنيء على الخير الضروري.
ومن الخير أن من قدم أمر الله، وآثر طاعته على هوى نفسه، كان ذلك برهان إيمانه، ودليل رغبته، وإنابته إلى ربه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن قدم هواه على طاعة مولاه فقد خسر دينه، وتبع ذلك خسارة دنياه.
وهذا الأمر بترك البيع مؤقت إلى انقضاء الصلاة ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] لطلب المكاسب المباحة، ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] أي: ينبغي للمؤمن الموفق وقت اشتغاله في مكاسب الدنيا أن يقصد