للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَثَيْتُكَ لا أني ظَنَنْتُكَ مَيتاً ... وكيف وإحياء العلوم هو البقا

وكَمْ مَئتٍ أحْيَيْتَهُ بعدَ مَوْتِه ... فأصبح أبداً (١) للصواب وأحذقا

وكَمْ غامِضٍ أَوْضَحْتَ للناسِ غَمْضَهُ ... وإن كان قد أعيا الإمام المحقِّقا

وكَمْ شَنَّفَ الأسْماعَ دُرًّا ولُؤلؤاً ... إذا ما شجى في مجلس منه منطقا

بِلَفظٍ يَفوقُ الماءَ مِنْهُ عُذوبَةً ... بل اللؤلؤ الرطب الأنيق المنمقا

[٤٦] ومُفْتَقِراً للعِلْمِ أَغْنَيْتَ فَقْرَهُ ... فأضحى غنياً بعد أن كان مملقا (٢) /

وحَيْرانَ في قَفْرٍ مِن الغَيِّ بَلْقَعٍ (٣) ... هداه إلى سبل الرشاد وطرقا

وكَمْ فاجِرٍ قَدْ راضَهُ بتَلَطُّفِ ... فعوض عن ذاك الفجور به تقى

(أبا زَكَرِيا) ليسَ للمَرْءِ مَلْجأ ... يرد الردى عنه ولو جر فيلقا

فكُل وإنْ طالَتْ جَريدَةُ عُمْرِهِ ... سينسخ في درج المنون محققا

أَ (يَحْيىَ) لو أن المَوْتَ يَثْنيهِ عَنْ فَتى ... ثبات جنان لانثنى عنك أخرقا

وما مَدَّ صَرْفُ الدَهْرِ نَحْوَكَ باعَهُ ... ولا ضم جنبيك الصفيح (٤) مُطبقا

فَكَمْ مَوْطِنِ قدْ قُمْتَ فيهِ مُجاهِداً ... وطرف الردى فيه إليك (٥) محدقا

لَئِنْ كانَ قَدْ وارى الثَّرَى حُسْنَ خَلْقِهِ ... فغير مطيقٍ أن يواري التخلقا

وكَيْفَ يُواري الترْبُ عِلْماً غدا بهِ ... على سعةٍ صدر البسيطة ضيقا

فَطُوبى لِقَبْرٍ ضَمَّهُ فَلَقَدْ غَدا ... يباهي به دار المقامة والبقا

سَقَا قَبْرَهُ صَوْبَا غَمامٍ ورَحْمَةٍ ... إذا قيل أن قد أقلعا عنه أغدقا (٦)


(١) كذا في الأصل.
(٢) (أملق الرجل): أنفق ماله حتى افتقر.
(٣) (البلقع): الخالي من كل شيء. (أرض بلقع): خالية ملساء.
(٤) (الصفيح): الحجارة الرقيقة؛ كناية عن القبر هنا.
(٥) في الأصل: "إليه"!!
(٦) انظر: "المنهاج السوي" (ص ٨٨ - ٨٩).

<<  <   >  >>