أيْنَ الذينَ هُمْ كانوا ذَوِي حِكَمٍ؟ ... قد بان من قولهم للدين تبيان
أيْنَ الدين أقاموا الدِّينَ واجْتَهَدوا ... ولم يكن دأبهم غير الذي دانوا
بانُوا جَميعاً ولا أرْجُو رُجوعَهُمُ ... فدمعتي أصبحت حمراء مذ بانوا
يا (محييَ الدين) مُذْ فارَقْتَنا عَجِلاً ... قد هُدِّمَتْ لمشيد الدين أركان
أَرْكانُ بُنيانِهِ عَنْدَ النَّوَى عُدِمَتْ ... فكيف يبقى ولا أركان بنيان
قَدْ كُنْتَ في هذه الدُّنْيا على سِيَرٍ ... لم يستطع مثلها في الدهر إنسان
زَهِدْتَ فيها ولَمْ تُخْدع بِزُخْرُفِها ... ودام منك على الأصحاب إحسان
الناسُ في راحَةِ الدنْيا ولَذَّتِها ... وأنت عند جهاد النَّفس تعبان
وَهُمْ على دَعَةٍ في طيبِ مَرْقَدِهِمْ ... وأنت في حل علم الدين سهران
وأيْنَ ما كُنْتَ قد حازَتْ ملائكَةٌ ... حول المكان ولم يقربك شيطان
وكُنْتَ بَحْراً مُحيطاً للحَدِيثِ لَنا ... يفيض من موجه دُرٌّ ومرجان
[٧٩] وكنْتَ في المذْهَب المَنْصورِ مُجْتَهِداً ... وعنك ينقله شيبٌ وشبان/
لو كان يَلْقاك مِمًّنْ قَدْ مَضَى أحَد ... من الصحابة أو ممن له شان
لكانَ (طَلْحَةُ) فيما قُلْتَ مَرْتَضِياً ... وكان يثني عليك الحبر (سلمان)
وكان مَهْما رآكَ (الشافِعِي) فَرِحاً ... وكان ينصفك البحَّاث (نعمان)
قَدْ كنْتَ كاسْمِكَ (مُحْيي الدين) مُجْتَهِداً ... ومن دعائك نال النصر فرسان
سَلَكْتَ بينَ الوَرى سُبْلَ النجاةِ وقَدْ ... أقرَّ فيك لسان الوحي قرآن
بأنَّ جاهَكَ عندَ اللهِ مُرْتَفِعٌ ... وأن حظك من ذي العرش غفران
يَوْماً تكونُ عُصاةُ الناسِ قدْ جُمِعَتْ ... والنار ذات لظىً والرب غضبان
يَفِر ُّكُلُّ امرىء مِنْ هَوْلِ مَصْرَعِهِ ... من ابنه وأخيه وهو حيران
قَدْ فُتِّحَتْ لِلْوَرَى أبوابُ هاوِيَة ... ونارها انتشرت والجسم عريان
فعِنْدَ ذاكَ بلا ريبٍ عَلى عَجَلٍ ... بالبشر من ربِّنا يأتيك رضوان
وقَدْ تَرَى جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ قد فُتِحَتْ ... وعمَّ من طيبها روحٌ وريحان
تَدُومُ فيها بأفراحٍ على أبَدٍ ... ومنك في فرحٍ حُورٌ وولدان