وهذا يقودُ إلى أنّ ما أمر الله به محفوظٌ موجود، وهنا نُطالبُهم بالإفراج عنْه، والإفصاح عما له من كُنْه.
أما نحن فنقول: إنه السنة التي فيها أمره صلى الله عليه وسلم ونهيه لكلّ مسلمٍ.
فإن قالوا: إنكم تزعمون أن السنة محفوظةٌ كحفظ القرآن!
أجبنا ـ بملء الفم ـ: أجل هي كذلك!
فإن قالوا: إنكم يا أيها المؤمنون بالسنة ـ تقولون: السنة متواترةٌ وآحاد، بل إن أكثرَ السنة آحادٌ، بل إنكم لم تتفقوا على حدّ التواتُر، ولا على عدد الأحاديث المتواترة، بل إنكم مختلفون حول الكثير والكثير من الأحاديث: أهي صحيحةٌ أم غير صحيحة، يُضعّفها بعضُ محدثيكم وعلمائكم ويصححها غيرُهم ... فكيف تزعمون حفظ السنة؟
أما الجواب على ذلك فسهلٌ بحمد الله وهو:
أما أن تكون السنة محفوظةً؛ فبالدليل من القرآن والعقل الذي يُثبِتُ وجودَ شيءٍ غيرِ المنصوص عليه في آيات القرآن من أوامرِ الله قد أُمِرت الأمة كلُّها أن تُطيعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم به، وهذا الشيء هو السنة بمفهومها الكلّي جملةً، لا أبعاضاً وأفراداً.
وإنّ الثابت المتواتر المنقول بجميع وسائل النقل هو لزومُ متابعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ووجوب طاعته فيما يأمر به وينهى عنه، فمن اعتقد ذلك فهو المسلم حقّاً، والمؤمن صدقاً.
وأّما التفريعات الجزئيةُ فلا يضرُّ الاختلافُ فيها، ثم إنّ هذه الاختلافات لا تصلُ ـ ولم تصِلْ ـ إلى حدٍّ يؤثِّرُ على العقائد والعبادات تأثيراً في أسِّها وأصلها.
فإن الاختلافَ في كون البسملة من الفاتحةِ أو ليست منها، وقول الشافعية بلزوم قراءتها كي تصحّ الصلاة؛ لأنها جزءٌ من ركنٍ من أركان الصلاة إذا فسد هذا الركن فسدت الصلاةُ؛ لا يجعل الحكمَ على صلاة من لا يعتقدُ جزئية البسملة في الفاتحة هو بطلانُ صلاته؛ لأن صلاته صحيحة بالنسبةِ إلى اعتقاده لا إلى اعتقاد مخالفِه.